الدكتور غازي القصيبي أيقونة الشعر العربي المعاصر
كتب ـ د. الفاتح كامل
في أواخر عام 1995م على ما أذكر، حيث هنا الاعتماد على الذاكرة وحدها، وفي شهر رمضان المبارك على وجه التحديد، هذا الشهر الفضيل الذي سيهل علينا بعد أيام، وعلى غير عادتي التي درجت عليها ولسنوات خلت، حيث لم يكن لي وقت لمتابعة التلفزيون على وجه العموم والمسلسلات بمختلف أنواعها على وجه الخصوص، كان ذاك الوقت، وقت صعودي في مجال الصحافة العربية وهذا حديث آخر، ثم لا أخفيكم كان آخر مسلسل تابعت حلقاته كاملة هو مسلسل “رأفت الهجان” في الثمانينيات من القرن الماضي على ما أذكر، ولا يعزى ذلك لأسباب مقاطعة للتلفزيون وما شابه، وإنما يُعزى ذلك لجملة مشغوليات الحياة التي تعددت وقتها وتفرعت، في عام 1996م قيض لي مشاهدة مسلسل “شقة الحرية” وهو عمل تم بحرفية عالية وشارك فيه عدد كبير من الممثلين من المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، وأنا شخص مهموم بما يعرف بقضايا الأمة العربية، ويعجبني ويسر قلبي أينما اجتمعت هذه الأمة على قلب رجل واحد أو حتى في مسلسل يعيد للحياة من موات أفكار نؤمن بها، قوتنا في وحدتنا، المهم تابعت ذلك المسلسل بشغف شديد لم أعهده في سابق عهدي، حدث ذلك مرة تسبقه حينما تابعت مسلسل “الغول” وهو مسلسل من إنتاج سوداني، شارك فيه عدد من الممثلين السودانيين والسوريين، وفُتنا فيه بتلك الفترة بحسناوات الشام، ما أحلى هذه الأمة حينما تجتمع وتكيد أعداءها. المهم في مسلسل “شقة الحرية” تعرفت عن قرب على بعض أفكار نيرة للشاعر السعودي، الدكتور غازي القصيبي، وهو إحدى أهم أيقونات الشعر العربي بلا منازع .. وتلك بداية معرفة تجلياتها تظهر في هذا المقال وربما في مقالات أخرى بالمستقبل، فأنا من جيل نشأ على إيقاعات الشام فيه موطني ومصر إلى آخره مما يقول الشعراء ..
في نفس ذلك العام قيض الله لي فرصة ذهبية أخرى، كنت في مطار دبي الدولي متجها لمطار الظهران الدولي، شاهدت في صف الجوازات وجها أعرفه تماما، فالمسلسل ما زالت أصداؤه تتردد في مختلف الدول العربية، ومسلسل “شقة الحرية” أعني، كان ذلك الوجه المألوف لدي تماما، هو وجه الممثل السعودي الكبير عبد المحسن النمر، اتجهت إليه مباشرة وحييته بحرارة واضحة عن الدور الكبير والمهم الذي لعبه بالمسلسل الذي شدني حقيقة لمتابعة كل حلقاته وأنا الذي هجرت هذا الجهاز السحري ولسنوات طوال، إلا في بعض نرجسياتي بالحياة، حيث كنت أشاهد شذرات من بعض المقابلات التي تجريها معي بعض القنوات الفضائية هنا وهناك، قبل هذا المسلسل أو بعده، هل ظلمت نفسي أو ظلمني وقتي الذي يجري في اتجاهات غير التي كنت أعشقها في السابق، وهذه لعمري قصة تتعدد فصولها وتفتح على أبواب أحاول تجاهلها بيني وبين نفسي في مرات كثيرة، آه منك يا زمن الترحال، وأعلنت مذيعة المطار موعد إقلاع الطائرة لمطار الظهران، وتفرقنا أنا والممثل السعودي عبد المحسن النمر، على وعد بلقاء صحافي لإحدى الصحف الخليجية التي كنت أكتب فيها بتلك الفترة، بعد أن تبادلنا أرقام الهواتف، وهو اللقاء الذي بكل أسف لم يتم حتى اللحظة لأسباب تعددت والسبب الأبرز صعود النجم السعودي عبد المحسن النمر في سماء الدراما الخليجية بعد مسلسل “شقة الحرية”، وهذه قصة أخرى ..
فقد تابعت مسيرة عبد المحسن النمر بعد ذلك، وصادقت من على البعد الدكتور غازي القصيبي رحمه الله، عبر شعره ومقابلاته التلفزيونية على قلتها، وتلك لعمري الصداقة النادرة بالحياة، وهي الصداقة الوحيدة الفريدة من نوعها، ألم يقولوا في غابر الأزمان، خيرا جليسا في الزمان كتاب، من الكتاب وحده عرفت دكتور غازي القصيبي عن قرب.
فالدكتور غازي القصيبي خير ممثل لهذا الثراء الشعري والثقافي، هذا الذي يعلى من قيمة التفاني بخدمة الأوطان، وهو ما فعله القصيبي حرفيا، والذي بذله القصيبي بسخاء وهو يحمل اسم السعودية في قلبه النابض بالحياة وحيثما حل وارتحل، وهو ما سأتناول منه شذرات بسيطة في قادم هذه السطور، كان عطاء القصيبي للفكر الإنساني عامة بلا حدود ..
في اعتقادي المتواضع أن من أهم ما قام به مسلسل “شقة الحرية” هو إعادة اللحُمة لهذه الأمة وتوحيدها وجدانيا، حينما تتناول همومها المشتركة، وهو ما يشكل حرفيا رسالة الفن الخالدة.
أثناء عرض هذا المسلسل هامت فتيات هذه المنطقة في تلك الفترة بأبطال ذاك المسلسل من الرجال، وهام الرجال بحسناوات ذاك المسلسل، ومما لا يخفى على أحد كان ذلك المسلسل نقلة مفصلية في الدراما العربية، حيث كان مساحة للتعارف بين مختلف شعوب هذه المنطقة، وهو عامل لا يجب تغافله بأي حال من الأحوال، فدور الفن عبر العصور كان توحيد الشعور والوجدان الإنساني.
قام بكتابة السيناريو والحوار لذلك المسلسل الكاتب ممدوح الليثي
وقام إخراجه المخرج الكبير مجدي أبو عميرة.
وكان المسلسل من بطولة، أنور أحمد، خالد سامي، عبد المحسن النمر، جمعان الرويعي، شيرين سيف النصر، حنان شوقي، راندا، محمد رياض، طارق لطفي، عبد الغني ناصر، عطية عويس، جمال إسماعيل، عبد الله فرغلي، تهاني راشد.
وكان ضيوف حلقات ذلك المسلسل، زيزي البدراوي، فادية عبد الغني، عزت أبو عوف، هادي الجيار، وفاء عامر، دينار، هالة النجار، عمر ناجي، هانم محمد، ليلى جمال، أسمهان توفيق، ماجد العبيد، محمد البهدهي، عبد العزيز الحماد، ناجية الربيع، عبد العزيز إسماعيل، الآن الزغبي، شيرين وجدي.
وهذه فائدة من فوائد الاجتماع عندما نجتمع على قلب رجل واحد، تخرج مثل هذه الأعمال العظيمة، التي ترسخ بالذاكرة، هذا في مجال الدراما، فما بالك أن تجمعنا بالحياة ..
فشقة الحرية رواية الدكتور غازي القصيبي، تحكي قصة طلبة في القاهرة أثناء دراستهم الجامعية هناك. وتفصّل الرواية حالة التيارات الفكرية لدى الشباب العرب في الفترة الملتهبة من التاريخ العربي 1948 – 1967. حققت الرواية انتشارا كبيرا وتعددت طبعاتها.
قالوا عن رواية “شقة الحرية”
«تفاوتت الآراء حول هذا العمل الأدبي، فقد رأى بعضهم أن الكاتب يتسم في الرواية بنرجسية واضحة في وضع هالة من التمجيد للبطل الأول في الرواية فؤاد الذي يرون أنه رمز للمؤلف نفسه. وأن هذه الهالة ترتكز على نغمة السخرية مما هو موجود في البيئة السياسية والثقافية التي تلتحم بها أحداث الرواية. ورأى آخرون أنه سواء كانت الرواية تحمل جذورًا من سيرة ذاتية أم لا تحمل، فالمؤلف نجح في إبداع شخصيات تتدفق بالحياة مع اختلاف سماتهن وتتجسد فيها تناقضات الإنسان. كما أن الرواية حملت تصويرًا فنيًا رائعًا لحقبة من الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية كانت تمور بها القاهرة، وجسّدت تناقضات البيئات الثقافية وقلقها واضطرابها».
اقرؤوا هذه القصة مباشرة دون واسطة النقاد، وبعيون واعية يقظة وحاسة نقدية عفوية من جانبكم لتميزوا فيها بين صحيح الحياة العربية وباطلها فهي سجل حافل بهذا كله.
إنها هدية الخليج والجزيرة العربية إلى الثقافة العربية في الوطن العربي الكبير للعام الجديد 1994 بل لعام ألفين.
محمد جابر الأنصاري – جريدة الأيام البحرينية – البحرين
القصيبي جريء في تصويره الشغف الجنسي والارتباك العاطفي والجسد الأنثوي وجريء أيضا في اكتشاف الرجل العربي الروحي.
نديم جرجورة – جريدة السفير – بيروت
شقة الحرية رواية كتبها شاعر لكن قارئها لا يلمح غموض الشعر وعاطفيته وإيجازه الخاطف، إذا امتلك غازي القصيبي بمهارة ملحوظة ليونة في السرد خولته تصوير شخصيات وأمكنة ومواقف من دون أن نلمح ذاتية الشاعر.
محمد علي فرحات – جريدة الحياة – لندن
إلى جانب الغزل والسياسة ينقل غازي القصيبي قارئ شقة الحرية إلى ذلك المناخ الثقافي والفني الغني حيث يعيش مع بطل الرواية الذي يحاول كتابة القصة والانتماء إلى أهل الأدب، مشاهداته التي تمتد من صالون العقاد إلى جلسة نجيب محفوظ، مرورا بأنيس منصور الذي كان يعلم الناس تحضير الأرواح ومايزال.
جريدة الشرق الأوسط – لندن
حبكة متقنة وسرد مشوق وسلاسة في الأداء ونضرة في القالب وإشراق في التركيب وبساطة في التعبير كأنه خبير قديم في الصناعة الروائية الخالصة.
جهاد فاضل – مجلة الحوادث – لندن
الرواية على التليفزيون
حُولت الرواية إلى مسلسل تليفزيوني بنفس الاسم وبث على قناة إم بي سي في العام 1995 من إخراج مجدي أبو عميرة وسيناريو وحوار ممدوح الليثي، وقد أشرت لذلك من قبل.
سيرة ذاتية حافلة بالطموح
الدكتور غازي بن عبد الرحمن القصيبي، (2 مارس 1940 – 15 أغسطس 2010) شاعر وأديب وكاتب وسفير دبلوماسي ووزير سعودي، قضى سنوات عمره الأولى في مدينة «الأحساء» في «المنطقة الشرقية» من السعودية، ثم انتقل بعدها إلى العاصمة البحرينية المنامة ليدرس فيها مراحل التعليم، حصل على درجة البكالوريوس من كلية الحقوق في جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا التي لم يكن يريد الدراسة بها، بل كان يريد دراسة القانون الدولي في جامعات أخرى من جامعات أمريكا، وبالفعل حصل على عدد من القبولات في جامعات عدة ولكن لمرض أخيه نبيل اضطر إلى الانتقال إلى جواره والدراسة في جنوب كاليفورنيا وبالتحديد في لوس أنجلوس ولم يجد التخصص المطلوب فيها فاضطر إلى دراسة العلاقات الدولية أما الدكتوراه ففي العلاقات الدولية من جامعة لندن والتي كانت رسالتها فيها حول اليمن كما أوضح ذلك في كتابه حياة في الإدارة. ما يجمعني بالدكتور غازي القصيبي كان دراسة القانون، ودراسة القانون الدولي بصفة خاصة. وهذه من أجمل الصدف.
نتاجه الأدبي والفكري
القصيبي شاعر له إنتاجات في مجالات مختلفة ففي فن الرواية والقصة خرج له:
شقة الحرية، دنسكو، 2002،أبو شلاخ البرمائي، 2006
العصفورية 1996، سبعة 2003،سعادة السفير 2003
الجنية2006 ،هما 2001 ، حكاية حب 2004
رجل جاء وذهب 2002 ، سلمى 2002
بيت، أقصوصة الزهايمر، نشرت بعد وفاته 2010
تُرجمت اثنتين من رواياته إلى اللغة الإنجليزية:
سبعة، ترجمة باسل حكيم وجافين واترسون، كتب الساقي (1999) (ردمك 0-86356-088-1)
شقة الحرية، 1994، ترجمة: ليزلي ماكلوغلين، كيغان بول (1996) (ردمك 0-7103-0550-8)
وله في السيرة:
حياة في الإدارة، الوزير المرافق، العودة سائحا إلى كاليفورنيا.
نماذج من شعره
قصيدة أقاهرتي!
أهذي أنتِ؟.. أم هذا خيالي
جلاكِ… وبيننا بحرُ الليالي؟
أقاهرتي! تُرى أذكرتِ وجهي
فتاكِ أنا المعذّب بالجمالِ؟
سلي عني المليحاتِ اللواتي
نظمتُ لهنّ ديوان اللآلي
سلي عني أباكِ النيلَ يشهدْ
بصدقي في الصدود.. وفي الوصال
سلي الأهرامَ عن حُبّ عصوفٍ
خبأت دموعه بين الرمالِ
سلي عني من السنوات خمساً
فِداها العُمر! عاطرة الخصالِ
أعود إليكِ.. والأيام صرعى
تمزّقها السنين.. ولا تبالي
فوا أسفاه! عاد فتاكِ شيخاً
يفرُّ من الوجومِ إلى الملالِ
أنوء إذا وقفت بحمل ثوبي
وأعثر حين أمشي بالظلالِ
أأعجب حينما تنسين وجهي؟
نسيتُ أنا ملامحه الخوالي!
مررتُ على الديار.. فضعتُ فيها
غريباً حائراً بين الرجال
فلا الشبّاكُ تومضُ فيه سلوى
ولا هند تطلُّ من الأعالي
ولا المقهى يهشّ إذا رآني
ولا من فيه يسأل كيف حالي
وأين الصحب.. هل آبوا جميعاً
كما آب الشبابُ.. إلى المآل؟
هنا.. كان الصبا يملي القوافي
فأكتبُها.. لأجفان الغزالِ
وكان الشعر يغري بي الصبايا
كما تُغوى الهدايةُ بالضلالِ
هنا.. واليوم أسأل عن حياتي
فأُفجعُ بالجوابِ… وبالسؤالِ
أقاهرتي! افترقنا ثلثَ قرنٍ
فهل لي أن أبثكِ ما بدا لي؟
ذرعتُ مناكب الصحراء.. حتى
شكتْ من طول رحلتها رحالي
وجبتُ البحر.. يدفعني شراعي
إلى المجهولِ.. في جُزرِ المُحالِ
وعانقتُ السعادة في ذراها
وقلبني الشقاء على النصالِ
كرعتُ هزيمةً.. ورشفتُ نصراً
فمات الشهد في سم الصلال
ضحلتُ.. وضجةُ الأصحاب حولي
ونحتُ.. وللنوى وخزُ النبالِ
وعدتُ من المعارك.. لستُ أدري
علامَ أضعتُ عُمري في النزالِ
وماذا عنكِ؟ هل جربت بعدي
من الأهوالِ قاصمة الجبالِ؟
وهل عانيتِ ما عانيتُ.. جُرحاً
تجهّمه الطبيبُ! بلا اندمال؟
على عينيكِ ألمح برق دمعٍ
أحالكِ يا حبيبةُ مثل حالي؟
قصيدة أم النخيل
إلى أمي.. الهفوف
أتذكُرينَ صبيّا عادَ مُـكتهلا
مسربلاً بعذابِ الكونِ.. مُشتملا؟
أشعاره هطلتْ دمعاً.. وكم رقصتْ
على العيونِ، بُحيراتِ الهوى، جَذلا
هُفوفُ! لو ذقتِ شيئاً من مواجعهِ
وسّدتِهِ الصدرَ.. أو أسكنتِه الخُصَلا
طال الفراقُ.. وعذري ما أنوءُ بهِ
يا أمّ! طفلُكِ مكبولٌ بما حَمَلا
لا تسألي عن معاناةٍ تمزّقني
أنا اخترعتُ الظما.. والسُّهدَ.. والملَلا
هل تغفرينَ؟ وهل أمٌّ وما نثرتْ
على عقوقِ فتاها الحبَّ والقُـبُـلا
**
ضربتُ في البحرِ.. حتى عدتُ منطفئاً
وغصتُ في البرّ.. حتى عدتُ مشتعلا
أظما.. إذا منعتني السحبُ صيِّـبَـها
أحفى.. إذا لم تُردني الريحُ مُنتعلا
ويستفزُّ شراعي الموجُ.. يلطمُهُ
كأنّه من دمِ الطوفانِ ما غُزلا
ورُبَّ أوديةٍ .. بالجنِّ صاخبةٍ
سريتُ لا خائفاً فيها.. ولا عَجِلا
تجري ورائي ضباعُ القفرِ.. عاويةً
والليثُ يجري أمامي.. يرهبُ الأجَلا
كأنّما قلقُ الجُعْفيّ.. يسكنني
هذا الذي شَغَلَ الدنيا.. كما شُغِلا
**
يا أمُّ عانيتُ أهوالاً.. وأفجعُها
مكيدةُ الغدرِ في الظلماءِ مُختتِلا
أواجهُ الرمحَ في صدري.. وأنزعهُ
والرمحُ في الظهرِ.. مسّ القلبَ.. أو دخلا
ألقى الكُماةَ بلا رُعبٍ.. ويُفزِعُني
هجرُ الحبيبِ الذي أغليتُهُ.. فسَلا
أشكو إليكِ حسانَ الأرضِ قاطبةً
عشقتهنّ.. فكانَ العشقُ ما قَتَلا
ويلاهُ من حرقةِ الولهانِ.. يتركُهُ
مع الصبابةِ.. شوقٌ ودّع الأملا
أشكو إليكِ من الستّينِ ما خَضبَتْ
من لي بشيبٍ إذا عاتبتهُ نَصَلا ؟!
تهامسَ الغيدُ «ياعمّي!» فوا أسفاً
أصيرُ عمّا.. وكنتُ اليافِعَ الغَزِلا
لا تعجبي من دماءِ القلبِ نازفةً
واستغربي إن رأيتِ القلبَ مندمِلا
**
أمَّ النخيل !.. هبيني نخلةً ذَبُلتْ
هل ينبتُ النخلُ غضّاً بعد أن ذَبـُلا؟!
يا أمُّ.. رُدّي على قلبي طفولَته
وأرجعي لي شباباً ناعماً أفِلا
وطهّري بمياهِ العينِ.. أوردتي
قد ينجلي الهمُّ عن صدري إذا غُسـِلا
هاتي الصبيَّ.. ودُنياه.. ولُعبـَتـَه
وهاكِ عُمري.. وبُـقيا الروحِ والمُـقَلاَ.
قصيدة درب من العشق
(بمناسبة افتتاح جسر الملك فهد)
درب من العشق لا درب من الحجر
هذا الذي طار بالواحات للجزر
ساق الخيام الى الشطآن فانزلقت
عبر المياه شراع أبيض الخَفَر
ماذا أرى؟ زورق في الماء مندفع
أم أنه جملٌ ما مل من سفر؟
وهذه أغنيات الغوص في أذني
أم الحداةُ شَدَوا بالشعرِ في السَحَرِ
واستيقظت نخلة وَسنَى تُوَشوشُني
من طوَّقَ النخلَ بالأصداف والدُررِ؟
نسيتُ أين أنا إن الرياض هنا
مع المنامةِ مشغولانِ بالسمَرِ
أم هذه جدةٌ جاءت بأنجُمِهَا
أم المُحَرقُ زارتَنا معَ القَمَرِ
وهذه ضحكاتُ الفجرِ في الخُبرِ
أم الرفاعُ رنت في موسمِ المطرِ
أم أنها مسقط السمراءُ زائرتي
أم أنها الدوحةُ الخضراءُ في قَطَرِ
أم الكويتُ التي حيت فهِمتُ بها؟
أم أنها العينُ كم في العينِ من حَوَرِ؟
بدوٌ وبحارةٌ ما الفرقُ بينهما
والبرُ والبحر ينسابانِ مِنْ مُضَرِ
خليجُ إن حبالَ الله تربطُنَا
فهلْ يقربُنا خيطٌ مِنَ البَشَرِ؟
رئيس تحرير مجلة “النخبة الرائدة”