تنميه ثقافيهمقالات

الأمير عبد الله الفيصل قصة حب لا تنتهي لمعشوقته السعودية

كتب ـ دكتور الفاتح كامل
في نهاية ستينيات القرن الماضي، تم ابتعاث نسيبي الأستاذ إبراهيم علي التوم لألمانيا لدراسات عليا خاصة بهندسة الكهربائيات، عاد إبراهيم علي التوم رحمه الله، والذي عمل في ما بعد مدير لعدد كبير من المدارس الفنية بالسودان، ومعه سيارة ألمانية فاخرة من الحجم العائلي “دبل كبينة على ما أذكر”، وجهاز مذياع من الحجم الكبير وجهاز تسجيل ريل من نوع “دوبيزل”، وكان ذلك من حسن حظي ومن حسن حظ كل من قطن في بيت والدي المربي الكبير كامل لطفي بحي العمدة في أم درمان، رحمات ربي تترى على والدي، حيث تم وضع ذلك المذياع في رف أبيض عال على الحائط حتى لا يكون في متناول يد الأطفال العابثة. صورة المذياع أعلى الحائط برمزيتها الكبيرة ما زالت عالقة بذهني الصغير وقتها، والذي أشاخته عوامل السنين في ما بعد، وتلك قصة أخرى ..
من ذلك المذياع عينه تسللت إلى أذني لأول مرة الأغنية التي ذاع صيتها في ذاك الوقت للفنان السوداني الكبير الذي درس في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة، المبدع العاقب محمد الحسن، والذي ربما كان أكثر فنان سوداني مهتم بإدخال النغمات العربية والسلم السباعي للأغنية السودانية خماسية السلالم.
من ذلك المذياع العتيق استمعت لأول مرة لأغنية “نجوى” والتي صاغ كلماتها الشاعر السعودي الكبير الأمير عبد الله الفيصل
يا حبيبي أينَ أيامُ الصفاءِ؟
يومَ كنا كلَّ صُبحٍ ومساءِ
في تلاقٍ وعناقٍ وهناءِ
إن رأيتَ البدرَ في كِبْدِ السماءِ
أو رأيتَ الطيرَ يشدو بالغناءِ
يا حبيبي أين أيامٌ خَوالِ؟
يومَ كنا بين سُمّارِ الليالي
ننهلُ الحبَّ ونفنى في الجمالِ
وعلى النيل مواعيدُ الوصالِ
لم يدمْ لي غيرُ ذكرى في خيالي
يا حبيبي هذه الدنيا لنا
فاملأِ الكونَ بهاءً وسنا
إنما سلواي ذكرى حُبِّنا
أين يا ليلايَ مني عُشُّنا؟
لم يدمْ في العشِّ إلا طيفُنا

هذه الأغنية الشجية رافقتني في كل مراحلي تلك وأسلمتني في ما بعد لمحطة مصر..
في جمهورية مصر العربية هذه المرة، وبالتحديد نهايات عام 1983م عندما ذهبت للجامعة في الزقازيق لدراسة القانون، تعرفت أكثر على الأمير عبد الله الفيصل من خلال غناء كوكب الشرق السيدة أم كلثوم والتي تغنت بالعديد من أغانيه والتي يجيد كتابتها بعربية فصحى وفرت له مساحة واسعة بالأذن العربية في مختلف دول هذه المنطقة الممتدة من المحيط للخليج.
كانت أغاني أم كلثوم تذاع في مصر بكل مكان، في القهاوي والمطاعم كبيرها وصغيرها وفي أجهزة المواصلات العامة، أتوبيسات وميكروبصات وتكاسي بيجو للتنقل بين المحافظات، وفي رحلاتي بين مدينتي القاهرة والزقازيق والإسكندرية بتلك الوسائل على تعددها وعلى تعدد أمزجة من يقومون بقيادتها، استمعت من خلال أثير الإذاعات المصرية غير قابلة للإحصاء، إذاعة صوت القاهرة، إذاعة الشرق الأوسط وإذاعة صوت العرب وغيرها، لشعر الأمير عبد الله الفيصل وهو يشنف آذاننا بالصوت الذهبي للمطربة المصرية الكبيرة أم كلثوم كوكب كل الشرق وما جاوره.

الأمير عبد الله الفيصل شاعر كبير من شعراء الأغنية العربية الفصحى والنبطي، وكان يحب أم كلثوم لما يحوي صوتها من شجن وحزن وقوة في نفس الوقت، كما كان مغرم بعبد الحليم حافظ وصوته الأمر الذي جعله يهديهما عدة قصائد قاموا بغنائها وحققت نجاحا كبيرا ومن أشهر قصائد الأمير السعودي عبد الله الفيصل لأم كلثوم قصيدة “ثورة الشك” وهي القصيدة التي لحنها رياض السنباطي، وغنتها أم كلثوم عام 1962، يذكر أن أم كلثوم غنت في عام 1971 قصيدة أخرى لعبد الله الفيصل لحنها السنباطي أيضاً وهي قصيدة من أجل عينيك. وهذه هي كلمات الأغنية الخالدة
ثورة الشك
أكاد أشك في نفسي لأني
أكاد أشك فيك وأنت مني
يقول الناس إنك خنت عهدي
ولم تحفظ هواي ولم تصني
وأنت مناي أجمعها مشت بي
إليك خطى الشباب المطمئن

وقد كان الشباب لغير عود
يولي عن فتى في غير أمن
وها أنا فاتني القدر الموالي
بأحلام الشباب ولم يفتني
كأن صباي قد ردت رواه
على جفني المسهد أو كأني

يكذب فيك كل الناس قلبي
وتسمع فيك كل الناس أذني
وكم طافت علي ظلال شك
أقضت مضجعي واستعبدتني
كأني طاف بي ركب الليالي
يحدث عنك في الدنيا وعني
على أني أغالط فيك سمعي
وتبصر فيك غير الشك عيني
وما أنا بالمصدق فيك قولا
ولكني شقيت بحسن ظني
وبي مما يساورني كثير
من الشجن المورق لا تدعني
تعذب في لهيب الشك روحي
وتشقي بالظنون وبالتمني
أجبني إذ سألتك هل صحيح
حديث الناس خنت؟ ألم تخني

وهذه بعض شذرات من شعر الأمير عبد الله الفيصل في الغناء العربي
قصيدة إلى ذات الوشاح
تساءلني العواذل ما اقتراحي
وأنت على الزمان مدى اقتراحي
فإن لجوا بعذل واستطالوا

فلست بسامع تفنيد لاح
أما علموا بأني منك مضنى
وأن القلب مني غير صاحي
وأني أنهل الذكرى مداما
أعل بها مسائي أو صباحي
قصيدة ردوا سهام الجفون
ردوا سهام الجفون
عن قلبي المسكين
لا توقظوها جراحا
أغفى عليها حنيني
ولا تعيدوا عذابي
ولا تزيدوا شجوني
فقد بذلت شبابي
ضحية للعيون
قصيدة البلبل الصامت
آثر الصمت بلبل الأدواح
وتولى عن روضه الممراح
وغناء الهزاز عاد بكاء
وجفا حبه لكيد اللاحي
يا أليف الشباب في أفراحي
وشريكي الصدوق في أتراحي
كيف يهوى الغناء من قد تحسى
من أسى الدهر مترع الأقداح
قصيدة ليلة العمر
ليلة مرت بدهري
لم تكن من خيط عمري
إن تكن مرت سريعا
فهي ما زالت بفكري
لست أدري كيف مرت
يا حبيبي لست أدري
قد نسيت النفس فيها
وجعلت الحب خمري
قصيدة من أجل عينيك
من أجل عينيك عشقت الهوى
بعد زمان كنت فيه الخلي
وأصبحت عيني بعد الكرى
تقول للتسهيد لا ترحل
يا فاتنا لولاه ما هزني وجد
ولا طعم الهوى طاب لي
هذا فؤادي فامتلك أمره
واظلمه إن أحببت أو فاعدل
قصيدة الحرمان
انا وياك يالحرمان في الدنيا غدينا اخوان
مسيرتنا سوا في كل حاضرنا وماضينا
مشينا فوق درب السهد والآلام ولأحزان
حيارى في خضم التيه ماترسي مراسينا
تباشير السعادة عن نظرنا لفها النسيان
وفوق اهدابنا ماتت من الحسرة امانينا
قصيدة نهاية حب
هدهدت حبي في المهاد
ووأدته قبل الفطام
ميعاده يوم المعاد
يوم تعاد به العظام
أمل أضاء به الفؤاد
لما خبا ساد الظلام
الشوق عندي في ازدياد
وعلى الهوى مني السلام
عفت البلاد مع العباد
واستثقلت نفسي الكلام
قد هدني طول البعاد
قصيدة حب وشك
قضيت على حبي قضيت على ودي
وانت التي قد كنت أوري بها زندي
شككت باخلاصي فعكرت صفونا
كما ارتبت في حب ترعرع في مهدي
فآثرت أن تقضي على الحب والهوى
بما جئت من شك وما شئت من بعد
قصيدة أمل يخيب
ودعت أيام الربيع الناضر
ودفنت آمالي ووحي خواطري
ووأدت ما في القلب من ذكر الصبا

ونفضت عن ذهني خيال الشاعر
قصيدة صبر ينفذ
أرى الصبر أوشك أن ينفذا
وأوشكت في القرب أن أبعدا
وأوشك قلبي أن يستريح
وأوشك طرفي أن يرقدا
هذا نذر يسير مما ترنمت به كوكب الشرق أم كلثوم للشاعر السعودي الكبير عبد الله الفيصل، وأغلب هذه الأشعار تم تلحينها على أيدي كبار الموسيقيين في مصر وعلى رأسهم الموسيقار رياض السنباطي .
وعودا على بدء
الأمير عبد الله الفيصل
مساهمات مجتمعية عصية على الحصر

عبد الله الفيصل بن عبد العزيز آل سعود (18 يونيو 1923 – 8 مايو 2007). أمير وشاعر سعودي، الابن البكر للملك فيصل بن عبد العزيز، والدته هي الأميرة سلطانة بنت أحمد بن محمد السديري.
ويعتبر عبد الله بن فيصل آل سعود، أحد كبار أعضاء مجلس آل سعود. شغل عدة مناصب وزارية في حكومة المملكة العربية السعودية في الخمسينيات، ترك عبد الله بن فيصل في وقت لاحق وظيفته الحكومية لتكريس وقته للأنشطة التجارية والثقافية. كان مؤسس مجموعة الفيصلية التي تأسست في جدة عام 1970. كما أسس شركة سيجما (المجموعة السعودية للاستثمار والتسويق) عام 1979. رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة هو ابنه الأمير سعود. حصل عبد الله بن فيصل على عدد من الأوسمة الدولية بما في ذلك درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم الإنسانية. حصل على جائزة الدولة التقديرية للأدب في عام 1984. مؤلف كل من الشعر الكلاسيكي والعامي ، وتشمل أعماله مجموعة إلهام الحرمان (من وحي الهرمان) ، 1980. وقد غنى عدد من المغنيين قصائده ، بما في ذلك الفنانة المصرية الشهيرة أم كلثوم.
أسس الشاعر الأمير مجموعة “الفيصلية”، والتي تعمل في عدة مجالات. وهو أيضا شاعر كبير من شعراء الأغنية العربية (الفصحى والنبطي) حيث تغنى بقصائده العديد من نجوم الغناء العربي والشعبي مثل: أم كلثوم (ثورة الشك، من أجل عينيك)، نجاة الصغيرة، عزيزة جلال، عبادي الجوهر، عبد الحليم حافظ، فايزة أحمد، طلال مداح، محمد عبده، محمد عمر، خالد عبد الرحمن، عبد الكريم عبد القادر، ، نبيل شعيل، فهد بن سعيد، كما أنشد مشاري العفاسي قصيدة (إلى الله) ولحنها وخرجت ضمن ألبوم ذكريات 2008.
دواوين مطبوعة
(وحي الحرمان) صدر عام 1953 م/ 1373 هـ (قصائد فصحى) الطبعة الأولى
(حديث قلب) صدر عام 1980 م/ 1400 هـ (قصائد فصحى) ترجم إلى الإنجليزية والفرنسية والروسية
(مشاعري) صدر عام 1985 م / 1405 هـ (قصائد شعبية نبطية)
وله أيضاً ديوان وحي الحروف، وديوان خريف العمر. كان شغوفا بكل أمسيات الشعر الموسمية وكان صالونه عامرا بالجلسات الشعرية والأدبية وكان مضيافا لعمالقة الفن والشعر).

الشعر
“أن وضعه بوصفه أميرًا مسؤولاً قد حرضه على وأد كثير من شعره. وما أفاض به من أعمال شعرية اتسمت موضوعاتها بالذاتية، فكان بهذا رأس الرومانسيين، وإن جاءت له قصائد وطنية، اتسمت بالإنشادية والحماسة. وكل شعره ذو طابع غنائي، وصفاء موسيقي.. واضطلاعه المبكر بالمسؤوليات حال دون خلوصه للشعر. والتقصي الدلالي واللغوي والفني والشكلي والإيقاعي لما أفضى به إلى المشاهد يجلي في عمله الشعري كل الوحدات التي لم يتوافر عليها معاصروه من شعراء العمودية، ومن ثم تجلت الوحدة الموضوعية في القصيدة الواحدة، وقد تتجلى الوحدة في الديوان كله لولا إلمامات وطنية، والمتقصي شعره عنده تلك الوحدة، وأن ألم بقضايا أمته، وأشاد بأمجادها، واستنهض همم الشباب، ولكن ذلك كله لا يخلصه من رومانسيته وذاتيته وعذريته، ومناجاته وخصامه لمن يحب وثورته في بعض الأحيان تجلي العذرية المتصوفة.
وهو في أعماله الشعرية من هذه النوعية التي يعرفها الناس فلا ينكرونها؛ لأن شعره أكثر ارتباطًا بموضوعاته. ولم يظفر المشهد الأدبي إلا بعملين اثنين، وآخر باللهجة العامية، وهذان العملان يقعان في 1803 ويشتملان على 131 قصيدة ومقطوعة، تراوح كل قصيدة بين 3 أبيات و 21 بيتًا.
وطغيان الذاتية ومراوحته بين الشكاية والتمرد حملته على اعتماد اللمحة وقصر النفس والإجمال، واقتصار معجمه الشعري على لغة الحب، وهو في وطنياته لا يبرح قاموسه اللغوي، وتشكيله العروضي، وفوق ذلك فقد أسهم في تنشيط الحركة الأدبية والرياضية في المملكة، وحصل على جوائز و وأوسمة: محلية وعربية وعالمية، واهتم بدراسة شعره كبار الأدباء، من مثل طه حسين، وما رون عبّود، وقدمت عنه دراسة أكاديمية باللغة الفرنسية، ودراسات أخرى، وكرّمته مؤسسة سعاد الصباح، وصدرت الدراسات في مجلد ضخم تناول كل جوانب شعره”.

دراسات عن شعره
اهتم بالكتابة عن شعر الأمير عبد الله الفيصل الكثير من الباحثين والنقاد سواء أكانت كتابات في صحف ودوريات سيارة أو دراسات متخصصة في رسائل جامعية، ولعل أبرز من كتبوا عنه الدكتور طه حسين، والدكتور أحمد كمال ذكي، والدكتور حسن الهويمل والدكتور سعد ظلام والدكتور صابر عبد الدايم.
أما أبرز الرسائل الجامعية التي اهتمت بشعره فهي:
رسالة الماجستير للباحثة منيرة العجلان وكانت بعنوان (عبد الله الفيصل حياته وشعره) وكانت في جامعة السوربون.
رسالة الدكتوراه للباحث الشاعر عزت محمود علي الدين وكانت بعنوان (ظاهرة الاغتراب في شعر إبراهيم ناجي وعبد الله الفيصل ـ عرض وتفسير وموازنة) وكانت في كلية اللغة العربية بـجامعة الأزهر في القاهرة.
رسالة ماجستير للباحثة حورية العتيبي، وكانت في كلية الآداب للبنات في الدمام.
رئيس تحرير “مجلة النخبة الرائدة”

Show More

Related Articles

Back to top button