عطاف محمد مختار يقدم سيناريوهات خطرة للحرب في السودان
في مركز (العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة بالقاهرة
أخبار السودان
نظّم مركز (العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة)، بالقاهرة، بتاريخ 9 يناير 2024، جلسة استماع بعنوان (سيناريوهات خطرة: احتمالات ما بعد رفض قائد الجيش السوداني التصالح مع الدعم السريع). واستضاف المركز الأستاذ عطاف محمد مختار رئيس تحرير صحيفة (السوداني) السودانية، كمتحدث رئيسي في الجلسة، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: :الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والدكتور هيثم عمران، والأستاذ عمرو عبد العاطي، والأستاذ كرم سعيد، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ محمد عمر، والأستاذ علي عاطف، والأستاذة ميرفت زكريا”.
وضع متشابك
وتطرق الأستاذ عطاف محمد مختار إلى الوضع المتشابك والمعقد في السودان في ظل استمرار الاشتباكات بين قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، مشيراً إلى تداعيات “السلطة ذات الرأسين” الكارثية على السودان وعلى دول المنطقة دول الجوار بشكل خاص.
مبررات الحرب
تطرق عطاف إلى أسباب الحرب الجارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023، واتساع نطاقها مؤخراً، وتمثلت هذه الأسباب في:
1- تزايد هشاشة الدولة السودانية: تعتبر السودان دولة هشة وضعيفة بشكل قوي في ظل ضعف المؤسسات سواء الأمنية والعسكرية أو البيروقراطية، وقد مكن ذلك من صعود الدعم السريع واستفحال قوته حتى تعاظم دوره وتجاوز هذه المؤسسات وصولاً إلى تمرّده في أبريل 2023.
2- ضعف تأثير النخبة السودانية: يعاني السودان من ضعف وفشل نخبته السياسية، وقد ساهم ذلك في استمرار وتصاعد الخلافات بين القوى والأحزاب السياسية، سواء قبل ثورة ديسمبر 2018 أو بعدها، وهو ما ساهم في استغلال الدعم السريع وقيادة الجيش هذا الأمر والسيطرة على البلاد وتجاهل مخرجات أي حل سياسي بشأن الأزمات التي يعاني منها السودان.
3- تمكين نظام البشير للدعم السريع: تسبب النظام السابق بقيادة الرئيس المخلوع عمر البشير في خلق وتأسيس الدعم السريع لمواجهة الحركات المسلحة، وقد تعاظمت قوته العسكرية بسبب هذا الدعم، بجانب منحه شرعية سياسية وقانونية بخلاف قوته الاقتصادية والموارد التي حصل عليها.
4- تعزيز شرعية الدعم السريع بعد ثورة 2018: ساهم البرلمان ومجلس السيادة الانتقالي بعد الثورة في تعزيز شرعية الدعم السريع من خلال تقنين قوته العسكرية.
5- دعم البرهان لصعود حميدتي: ساهم البرهان في تعزيز صعود حميدتي والدعم السريع بشكل كبير بعد الثورة فقد كانت هناك علاقات قوية بينهم طوال 25 عاماً قبل الثورة، فقد شارك البرهان خلال وجوده في الجيش في تدريب قوات الدعم السريع والعمل معهم، ومع الثورة وتوليه قيادة مجلس السيادة الانتقالي طلب تعيين حميدتي نائباً له، بل إنه في يوليو 2019 أصدر قراراً ألغى فيه تبعية الدعم السريع للجيش والرقابة عليه من قبله، وجعل قيادة وأوامر الدعم السريع خاضعة للقائد العام للقوات المسلحة فقط وهو البرهان، هذا بجانب الامتيازات العسكرية والسماح لهم بتوسيع دورهم الاقتصادي وإشراكهم في العديد من المؤسسات الاقتصادية حتى صار الدعم السريع قوياً لدرجة تجعله لا يبتلع الجيش بل السودان، وهو ما اتضح في أبريل 2023.
إرهاصات التمرد
قال عطاف إن هناك إرهاصات أدت إلى تمرد 15 أبريل 2023 تمثلت في:
1- تبعات فضّ اعتصام القيادة في يونيو 2019: أسقط هذا الأمر شرعية البرهان وأضعفها، وكان هذا الأمر بمثابة الانقلاب الأول عليه.
2- انقلاب 25 أكتوبر 2021: حينما علق البرهان الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير ورحيل حكومة عبد الله حمدوك ضاعف من قوة الدعم السريع بشكل كبير، لأن البرهان اعتمد عليه في مواجهة تبعات هذا الأمر.
3- حل هيئة العمليات التابعة للمخابرات العامة: أصدر البرهان في عام 2020 قراراً بحل هذه الهيئة وهي التي كانت قادرة على مواجهة الدعم السريع نظراً لأنها من شارك في تأسيسه وتسليحه وتدريبه منذ عهد البشير، وكان لديها القدرة على تفكيكه، وقد سعى حميدتي بدعم خارجي لحل هذه الهيئة حتى لا تكون عائقاً أمام تحركاته وصعوده.
4- الحشد والحشد المضاد بين البرهان وحميدتي: مع تكالب وصراع البرهان وحميدتي على السلطة بدأت عمليات الحشد السياسي والعسكري وسعي كل طرف لاستقطاب المؤيدين له، هذا بجانب الاستعانة بالدعم الخارجي.
5- تعزيز الدعم السريع لحضوره في الخرطوم: نشر الدعم السريع مطلع أبريل 2023 أكثر من 60 ألف مقاتل في العاصمة الخرطوم دون تحرك من الجيش، وقد ساعده ذلك في تعزيز وجوده العسكري في الخرطوم وما حولها وهو ما سهل تمرده بشكل سريع، هذا بخلاف الانتهاكات التي مارستها قوات الدعم الرسيع في المدن التي سيطرت عليها سواء في دارفور أو الجنينة أو الجزيرة أو غيرها.
6- تهوين الجيش من قدرات الدعم السريع: هونت القوات المسلحة من قدرات الدعم السريع واعتقدت أنها قادرة على القضاء عليه ودحره في وقت وجيز، لكن اتضح خطأ هذا الأمر، فقد استطاع الدعم السريع إعادة تنظيم صفوفه بعد الضربة القوية التي تلقاها في بداية التمرد ولجأ لأسلوب حرب المدن والعصابات وهو ما لا يُحسن الجيش التعامل معه، مما ساهم في طول أمد الحرب واستمرار تقدم الدعم السريع نحو المزيد من المدن والولايات، وإن كان ذلك حدث بجانب وجود نوع من الخيانة أو التواطؤ كما حدث في ولاية الجزيرة ومدينة ود مدني بسبب الانسحاب السريع والمفاجئ لقوات الجيش دون أي إنذار مسبق أو وجود مؤشرات على ضعفه أو عدم قدرته على القتال.
ما بعد التمرد
قال عطاف إن هناك حالة من الغضب داخل صفوف الجيش بسبب تمرد الدعم السريع وضعف البرهان في مواجهة هذا الأمر، ونتيجة لهذا الضغط اضطر للرضوخ لخيار تسليح الشعب لتشكيل مقاومة شعبية لمواجهة التمرد والدفاع عن أعراض الناس وممتلكاتهم في مواجهة انتهاكات الدعم السريع.
كما أنّ هناك خشية من الانقسام في الجيش بسبب طريقة التعامل مع الدعم السريع، وهو ما دفع قيادات الجيش لتأجيل الصدام مع البرهان لأن هناك أكثر من قيادة فعلية على الأرض.
وبجانب هذا ستزداد شراسة المقاومة الشعبية ضد الدعم السريع، خاصةً بعد تسليحها القوي من الجيش وفي ظل إصرار الدعم السريع على توسيع نطاق سيطرته على عموم السودان، خاصة بعد دخوله ولاية الجزيرة وود مدني، وسعيه لدخول سنار والقضارف والفشقة ونهر النيل وغيرها من الولايات والمناطق.
مواقف متداخلة
وتطرّق عطاف إلى مواقف القوى الكبرى ودول الجوار مما يجري في السودان، سواء لحماية مصالحها أو استغلال ما يجري لتحقيق المزيد من المكاسب، فقد زاد التدخل الدولي والإقليمي والتكالب على السودان كالتالي:
1- إثيوبيا: تعمل أديس أبابا على استغلال الحرب الجارية ودعم قوات الدعم السريع من أجل السيطرة على المناطق الحدودية معها، وخاصة ولاية سنار وولاية القضارف بسبب سد النهضة الذي لا يبعد سوى 2 كم تقريباً عن ولاية سنار، لذا تدعم الدعم السريع للسيطرة عليها بعد دخولها ولاية الجزيرة شرقي السودان.
2- مصر: حاول الدعم السريع مع بداية تحركه في 15 أبريل 2023 ابتزاز مصر وتعزيز شعبيته من خلال مهاجمة القوات المصرية التي كانت في قاعدة مروي واحتجاز أفرادها الذين كانوا موجودين بشكل قانوني ضمن اتفاقيات التدريب والتعاون العسكري بين البلدين، إلا أنه تراجع عن موقفه هذا بعد إدراك خطئه. كما أن مصر تهتم بالسودان كثيراً في الوقت الحالي بسبب تداعيات ما يجري في السودان على أمنها القومي بخلاف ملف سد النهضة الإثيوبي، كما أنها من الدول القليلة التي استضافت الفارين من هذه الحرب أو قبلها، فقد بلغ عدد السودانيين في مصر حوالي 5 ملايين فرد، وفقاً لأحد التقديرات المتداولة.
3- روسيا: تهتمّ موسكو بشكل كبير بالسودان، فهي كانت على وشك الحصول على قاعدة عسكرية على البحر الأحمر من البشير قبل سقوطه بوقت قصير وسعت لاستكمال هذا المشروع بعد رحيله، لكنها فشلت في هذا الأمر، ومع هذا لعبت من خلال شركة فاجنر دوراً مهماً في دعم وتدريب وتقوية قدرات الدعم السريع، وما زالت تريد تعزيز حضورها في السودان.
4- الولايات المتحدة: تهتم واشنطن بالسودان بسبب البحر الأحمر بشكل أساسي بجانب عوامل أخرى استراتيجية. ورغم تغاضيها في البداية عن تمرد الدعم السريع، إلا أنها دخلت على الخط وانتقدت هذه الانتهاكات، وإن كان بشكل ضعيف، وهي تريد الآن حماية مصالحها في البحر الأحمر، خاصة بعد تصعيد جماعة الحوثي في اليمن بسبب حرب غزة.
5- فرنسا: تخشى باريس تداعيات الأوضاع في السودان على مصالحها في أفريقيا، خاصةً في تشاد وأفريقيا الوسطى، لهذا تريد التأثير على الوضع في السودان.
6- إسرائيل: تريد تل أبيب تعزيز دورها في السودان، وقد أقامت علاقات قوية مع الدعم السريع من خلال جهاز الموساد، فيما تواصلت وزارة الخارجية الإسرائيلية مع البرهان، لتكون على صلة بالطرفين وتستغل التناقضات لتعزيز وجودها في السودان.
لقاء مؤجل
قال عطاف إن هناك ضغوطاً خارجية تؤجل لقاء البرهان وحميدتي بعد تأجيل اللقاء المرتقب بينهما في جيبوتي في نهاية ديسمبر 2023، والإعلان عن لقاء جديد لكن دون موعد موحد، لكن في النهاية سيلجأ الطرفان إلى الجلوس معاً من أجل التوصل إلى حل، رغم وجود حالة “حرب الكل ضد الكل” وتعزيز “حالة الاصطفاف السياسي والعسكري” وصعود دور “المقاومة الشعبية”.
وأكد البرهان في خطابه الأخير أمام الجيش رفض لقاء حميدتي أو الجلوس معه أو مع القوى السياسية المتحالفة معه كما حدث في لقاء وفد جبهة “تقدم” بقيادة حمدوك مع حميدتي في أديس أبابا؛ إلا أنّ البرهان رغم ذلك سيجلس مع حميدتي، فقد كان هذا الخطاب حماسياً وحاول امتصاص غضب الجيش بعدما حدث من انسحاب للجيش من ولاية الجزيرة.
مستقبل التمرد
وعن مستقبل وسيناريوهات الفترة المقبلة، رأى عطاف أن السودان يعيش حالة من حكم “آل دقلو” في بعض الولايات، ولكن هذا الحكم في ظل الدعم السريع وبقيادة حميدتي مصيره إلى الزوال، لأنه يحمل بذرة فنائه وهلاكه، فهو لا يحظى بحاضنة شعبية نتيجة الانتهاكات التي تمارسها قواته من أعمال اغتصاب وقتل وسلب ونهب وسبي وبيع للنساء.
كما أنّ مصير البرهان الخسارة، سواء انتصر أو هُزم، لأنه حتى إن انتصر في هذه الحرب ضد الدعم السريع فمن المتوقع أن يطيح به الجيش في ظل رفض موقفه من البداية الذي قوّى من شوكة الدعم السريع، وسمح له بهذا القدر من القوة العسكرية والاقتصادية والمالية والسياسية.
خارطة طريق
وأوضح عطاف، أنّ تنسيقية تقدم والدعم السريع تتهم الإسلاميين بإشعال الحرب ويسعون للحرب الأهلية. وقال: “طالما ترفع تقدم شعار لا للحرب، فعليها إنزال هذا الشعار على أرض الواقع، وتحاور الطرف المتهم بإشعال الحرب، حتى يتم الوصول لتسوية سياسية تسكت أصوات البنادق التي تحصد أرواح السودانيين وتدمر البلد.. أو ترفع تقدم شعار نعم للحرب وتدوس الإسلاميين – (أي كوز ندوسو دوس) – وهذا ما لا يمكن حدوثه”.
وأضاف: “لا بُدّ من الجميع أن يجلسوا في طاولة مستديرة، أولاً ليتفقوا على كيفية إدارة الخلافات، والابتعاد عن التكسُّب عبر أفواه البنادق بالانقلابات، ويكون دور العسكريين فقط حفظ أمن البلاد والعباد، وينخرط الساسة في بناء أحزابهم والاستعداد للانتخابات، وتكوين حكومة تقنية مستقلة تُدير فترة انتقالية هدفها علاج كوارث الحرب.. وتكوين برلمان مكون من كتل سياسية واجتماعية وأهلية ودينية لمعالجة النسيج الاجتماعي أولاً ومراقبة أداء الحكومة وتكوين مفوضيات الانتخابات ومكافحة الفساد، والأهم مفوضية علمية للأمن القومي والاستراتيجي والاجتماعي.. وترسيخ مفهوم عدم إفلات المسؤولين من جميع الجرائم من العقاب”.
وأكّـد عطاف أنّ النهضة السودانية أمرٌ سهلٌ جداً، لأنّ السودان ليس فيه أزمة موارد، بل مُثقلٌ كاهله بعبء عدم إدارة الموارد.. مضيفاً: “الحروب القادمة كما يقول الخبراء هي حروب في المياه والغذاء، والسودان من أثرى دول العالم في موارد المياه والأراضي الخصبة، والثروات المعدنية، وخلال عامين فقط من العمل الوطني الخالص يمكن أن يصبح دولة تساعد في حلول مشاكل الشرق الأوسط في الاكتفاء من الغذاء، ويصبح دولة عطاء وليس دولة إراقة دماء”.