تحت رعاية ملك المغرب انطلاق فعاليات الدورة 18 للملتقى العالمي للتصوف
كتب/ أمير أبورفاعي
تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وبحضور شيخ الطريقة القادرية البودشيشية الدكتور مولاي جمال الدين القادري، وعدد من العلماء والمسؤولين والشخصيات العلمية والفكرية من مختلف القارات، افتتح الدكتور مولاي منير القادري رئيس مؤسسة الملتقى، فعاليات الدورة الثامنة عشر للملتقى العالمي للتصوف التي حملت شعار: “اﻟﺘﺼﻮف واﻟﻘﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻮﻃﻨﻴﺔ من أجل تأسيس مواطنة شاملة”.
بعد تلاوة آيات بينات من القرآن الكريم وسماع النشيد الوطني تمت قراءة الفاتحة ترحما على شهدائنا في الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز وفي فيضانات الشقيقة ليبيا مع الدعاء للجرحى بالشفاء التام .
وفي مستهل كلمته الافتتاحية عبر رئيس مؤسسة الملتقى عن الشكر والامتنان لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي غمر بعطفه اﻷبوي ضحايا فاجعة الزلزال، ورعايته للمصابين وأسرهم وكذا الأيتام الذين أصدر جلالته توجيهاته السامية باعتبارهم من مكفولي اﻷمة، وتفقده الميداني للحالة الصحية للجرحى، وسلط القادري الضوء على مسارعة المغاربة كما هي عادتهم دائما لمواساة بعضهم البعض والتعاضد والتراحم فيما بينهم ومَدَّ يد العون والمساعدة، انطلاقا من قيم التضامن والتآزر المتجذرة في مجتمعنا المغربي ˓والمستمدة من مبادئ دينا الحنيف وثقافتنا المغربية الاصيلة.
وأوضح أن ﺎﻟﻘﻴﻢ الأخلاقية ﻫﻲ اﻟتي ﺗﻮﺟﻪ ﺳﻠﻮﻛﻴﺎت اﻷﻓﺮاد إﱃ ﻣﺎ ﻳﺘﻨﺎﺳﺐ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺗﻄﻠﺒﻪ اﳉﻤﺎﻋﺔ وﻣﺎ ﺗﺮﻓﻀﻪ ﻣﻦ أﺣﻜﺎم ﺗﺘﻤﺎﻫﻰ ﻣﻊ اﻟﻀﻮاﺑﻂ اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ واﻟﻌﺮﻓﻴﺔ واﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ، وأنه لا وﻃﻨﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﳊﻘﻴﻘﺔ إﻻ بهذه اﻟﻘﻴﻢ، ﻓﺎلهوية اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻻ ﺗﻜﺘﻤﻞ إﻻ ﻣﻦ ﺧﻼل الهوية اﻟﻘﻴﻤﻴﺔ والأخلاقية، ﻷن اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﳊﻘﺔ ﻻ ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﳎﺮد اﻻﻟﺘﺰام اﻟﻘﺎﻧﻮﱐ فقط، ﺑﻞ ﻻﺑﺪ أن ﺗﺴﺘﻨﺪ وتُعضَّد بالمكون اﻟﻘﻴﻤﻲ.
وأضاف أنه باﻟﻘﻴﻢ ﻧﺮﺗﻘﻲ ﺑﻌﻼﻗﺎتها ﻣﻦ اﻟﺼﻔﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ اﳉﻮﻓﺎء التي ﺗﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ محددي اﳊﻖ والواجب، إﱃ أﻓﻖ أﻛﺜﺮ اﻧﻔﺘﺎﺣﺎ، اﻧﺴﺠﺎﻣﺎ ﻣﻊ ﻫﻮﻳﺘﻨﺎ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، وﺑﺬﻟﻚ ﻧﻨﻔﺘﺢ ﲟﻮاﻃَﻨﺘﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻴﻢ اﻟﺘﺂﺧﻲ والتسامح واﻟﺘﺴﺎﻛﻦ واﶈﺒﺔ، ﻓﺘﺼﲑ ﻣﻮاﻃﻨﺔ أﻛﺜﺮ ﻓﺎﻋﻠﻴﺔ وإﻧﺘﺎﺟﻴﺔ.
وانتقد تهميش الحضارة المعاصرة للجوانب الروحیة والقیمیة للإنسان، مما أدى إلى دخول مجتمعاتنا في أنفاق مظلمة، رغم التقدّم الحاصل ماديا وتقنيا، وتجلى ذلك في الأزمات الأخلاقية والنفسیة الخانقة التي یتخبط فیها إنسان اليوم، والفراغ الروحي المهول الذي یعانیه، ومظاهر الانحراف السلوكي، بالإضافة إلى الاستنزاف المتزاید للثروات، وما رافقه من اختلال خطیر في النظام البیئي العالمي، وغیر ذلك من الجوانب السلبية لهذه التنمیة المادية الصرفة.
وبين أن الإسلام يتميز بنزعتة الإنسانية العالمية المنفتحة التي لا فرق فيها بين مسلم ومسلم أو غير مسلم، وأنها تمثل حقيقة جوهرية في الممارسة الصوفية ومنهجها التربوي والسلوكي المبني على خطاب الرحمة والمحبة ونفع الخلق، وأضاف أن هذه النزعة الإنسانية مستنبطة من التصور القرآني للحقيقة الإنسانية مستدلا بآيات من القرآن الكريم.
وأكد أن اﳌﻐﺮب استطاع أن ﻳﻘﺪم ﳕﻮذﺟﺎ ﻋﻤﻠﻴﺎ ﻟﻠﻘﻴﻢ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﰲ ﺑﻌﺪﻫﺎ اﻟﻜﻮﱐ العالمي، ﺣﻴﺚ ﺗﻌﺎﻳﺸﺖ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ اﻷﻃﻴﺎف اﻟﻌﺮﻗﻴﺔ واﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺑﺘﻮادٍّ واﻧﺴﺠﺎم ﲢﺖ راﻳﺔ ﻫﺬا اﻟﻮﻃﻦ، و أنه إﱃ اﻟﻴﻮم ﻳﻌﺪ ﳕﻮذﺟﺎ ﰲ ذﻟﻚ ﲢﺖ اﻟﻘﻴﺎدة اﻟﺮﺷﻴﺪة ﳌﻮﻻنا أﻣﲑ اﳌﺆﻣﻨﲔ ﺟﻼﻟﺔ اﳌﻠﻚ ﳏﻤﺪ اﻟﺴﺎدس ﻧﺼﺮﻩ الله الذي ﻣﺎ ﻓﺘﺊ يحمل ﻟﻮاء اﻟﻌﻤﻞ اﳉﺎد واﻹﺻﻼح وﻳﺮﻓﻊ ﺷﻌﺎر اﻟﻴﺪ اﳌﻤﺪودة ﻟﻠﺨﲑ واﻟﺘﺂﺧﻲ واﻟﺘﻌﺎون المثمر.
وعرفت الجلسة الافتتاحية مداخلات للعلماء والمفكرين المشاركين من القارات الخمس، من بينها كلمة الشيخ بلال الحق اﻷمين العام لدار الفتوى –كاليفورنيا-الولايات المتحدة اﻷمريكية و الشيخ عبد الفتاح عبد الغني العواري عميد أسبق لكلية أصول الدين بجامعة اﻷزهر .