مقالات

الباحثة وسام عبدالمجيد تكتب..حرب الجوع

 

الباحثة وسام عبدالمجيد تكتب..حرب الجوع
استخدم الجوع كسلاح لقتل الشعوب وحصارها, ومع تصاعد هوة النزعات الداخلية والخارجية والحروب, ومع تراجع الدور الدولي سواء القانوني أو الأممي, استغل هذا السلاح بلا رحمة وبلا ضابط قانوني أو أخلاقي ؛أشارت التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية لعام 2021 أنه يوجد حوالي 828 مليون شخصا حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي كما أن أضعاف هذا العدد مصابون بسوء التغذية.عانى حوالي 828 مليون شخص من الجوع في عام 2021 وتصاعدت أزمة الجوع واتسعت إلي دائرة المعاناة والبؤس والاحتياج، مما جعل المجتمعات تنزلق إلي الانحلال القيمي والأخلاقي , و استغلال البشر والدفع بهم إلي الهاويه.
يرجع تفشي أزمة الجوع فى الغالب إلي النزاعات والحروب الأهلية والدولية, ومحاولة سيطرة الأطراف المتنازعه على الطرف الأخر دون مراعاة لأبسط درجات الحقوق الإنسانية؛ حيث يواجه نحو 186.5 مليون شخص أزمات الجوع والفقر المدقع – ويعادل هذا الرقم نسبة 39.4 % من سكان العالم.
ومع مطلع عام 2023 ارتفع سعر القمح عالميا بنسة تتجاوز ال50% وارتفعت كذلك أسعار الأرز والذرة بنسبة 40% وما زال الغلاء يتصاعد؛ مما وضع الفقراء في مهب الجوع, ووضع العالم فى معترك مضطرب من الأزمات والمشكلات الاقتصادية وبطبيعة الحال ما يستجلبه ويصاحبه من تزعزع الاستقرار داخل المجتمعات والدول, بل والعالم بأسره. فالفقر والأمان لا يجتمعان،اجتاح ذلك الدول النامية على وجه الخصوص والتي ضربتها الفوضى السياسية وضاعت ثرواتها لصالح دول أخري, ومن الأمثلة على ذلك ما حدث في دولتي السودان واليمن.
وإذا تحدثنا عن المنطقة العربية سجلت العديد من المنظمات الدولية في عام 2023 أن هناك 66.1 مليون شخص – أي ما يعادل 16% من سكان المنطقة العربية – يعانون من الجوع. وتشير التقارير الدولية إلى أن هناك ندرة فى الحصول علي الكفاف من الغذاء, وأكثر هذه الدول تضرراً هي السودان واليمن وسوريا والصومال وقطاع غزة من فلسطين المحتلة. وذكر التقرير أن بعض الأسر -من أجل الحصول علي الطعام- استبدالوا ملابسهم بالمال, فيما لجأت أسر أخري للعمل في جمع المخلفات لبيعها. وأفاد التقرير أن العديد من الأسر لا تملك طعامها اليومي، وتقضي أكثر من 20% من الأسر فى المنطقة العربية أياما وليال كاملة بحثاً عن كسرة خبز.
إن الجوع والمجاعات دافع خطير لزعزعة الأمن الاجتماعي والاقتصادي, ومن أهم النتائج المترتبة علي هذه الدوافع التقلبات الاقتصادية ووما يصاحبها ويستتبعها من متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة.
فى عام 1789 قامت الثورة الفرنسية, وكان من أسباب الاعتراض الشعبي هو تكريس التفاوت الطبقي وتراجع الطبقات الفقيرة والوسطي إلي حد الجوع والفقر المدقع, وهو الشعور باليأس والموت على عكس مستويات اجتماعية أخري يتوفر لها كافة سبل العيش.
ومع استمرار حرب غزة,حيث تجاوزت فترة الحرب حاجز ال500 يوم, واستخدم الكيان الصهيوني الغذاء والماء كسلاح لتجويع الرجال والأطفال والنساء، وكافة المدنيين العزل الأبرياء. وصل الأمر إلي العقاب الجماعي ثم الإبادة الجماعية للأهالي الذين تعرضوا ظلماً وعمداً لأسوأ مجاعة عرفتها البشرية فى القرن الحالي. تسبب الجوع ونقص المساعدات الإغاثية وتدمير ما تبقى من منظومة الرعاية الطبية في تفشي الأمراض والأوبئة. أدى أيضا إلى أضرار كارثية ناتجه من سوء التغذية، وكأن من لم يقتل بالرصاص قتل بالجوع والبرد القارس أو الغرق في المخيمات التي جرفتها الأمطار والسيول.
إن خروج أكثر من 2.5 مليون مواطن قسراً إلي العراء, والتزاحم والتقاتل علي أبواب المخابز وعلي السيارات المحملة بالدقيق, هو مشهد مخيف ينذر بالموت ل 2.5 مليون مواطن فلسطيني يقتلون بدم بارد.
ومع استمرار تعنت سلطات الاحتلال من غلق المعابر البحرية والمنافذ الحدودية في وجوه هؤلاء, وأنه لم يعد هناك صوت إلا هدير الرصاص ودانات المدافع وقصف الطائرات وانفجارات الصواريخ, واستغاثات المشردين مع اضطرارهم إلى قرع الأواني الفارغة سعياً وراء ما يسد الرمق.
هناك أكثر من 160,000 الفاً ما بين شهيد ومفقود ومصاب، هذا خلاف المعتقلين فى السجون دون أية تهمه حقيقة سوى الدفاع عن النفس، انقطعت المساعدات عن أهالي قطاع غزة, حيث لم يعد هناك شبر آـمن في غزة, وهذا في الوقت الذي لا تتوقف فيه إسرائيل عن القتل, بل وارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بشتى ما أوتيت من وسائل وأدوات للتدمير والاجتثاث لأهل غزة.
كما تفشي الجوع في سوريا فهناك أكثر من مليون شخص يعانون من البرد وانعدام الأمن الغذائي. بكل أسف هناك حوالي أكثر من 151 مليون شخص فى المنطقة العربية لا يستطيعون تحمل نفقات التغذية الصحية، وفى ظل موجات الغلاء المتزايده فنحن أمام كارثة غذائية في مناطق عدة على رأسها قطاع غزة والسودان.
أقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً بشأن الدول التي تستخدم التجويع كأداة للحرب واعتبر ذلك “جريمة حرب” ؛ كانت تلك هي المرة الأولى التي يتناول فيها مجلس الأمن حث الأطراف المتنازعة على السماح للعاملين في مجال المساعدات الإنسانية بمباشرة مهامهم, وكذلك تجريم منع وصولهم إلى السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
لكن في الحقيقة من الصعب أو من المستحيل تنفيذ مثل هذا القرار في ظل ممارسة قوات الاحتلال الاسرائيلية في الضفة الغربية وغزة, وفي وجود ميلشيات حميدتي في السودان.
إن ما تعانيه المنطقة العربية من أزمات داخلية وحروب كانت سبباً في انتشار أزمة الجوع. ولذلك فمن الضروري على جامعة الدول العربية أن تتبني سياسيات وآليات تنفيذية للسيطرة على الخطر الذى يضرب المنطقة العربية والذى يعتبر أشد فتكاً من القنابل والصواريخ الحربية؛ وذلك من حيث تجديد القطاع الزراعي, والعمل علي تسوية وفض النزاعات السياسية سواء علي الصعيد الداخلي أو الخارجي, وذلك لحماية المجتمعات العربية من جحيم الموت الحالي والقادم، والذى إن لم نتداركه فسوف تنهار أركان المجتمع ومعها مؤسسات الدولة.
الحسابات السياسية هنا ينبغي أن تتسم بالنظرة الكلية وذلك على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية. ينبغي وبشكل عاجل أن نقدم تصورات وحلولا وسيناريوهات للخروج من تلك الأزمة قبل أن تصبح الخيارات كلها بين السئ والأسوأ.
؛ والحسابات هنا غير متوقعة لذلك علينا ادراك الأمر قبل ضياع الفرص المتاحة وعلينا تجنب الصدمات الداخلية واختيار حلول متلائمة حتي لاتصبح الخيارات جميعها سيء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى