مقالات

الشيخ محمد رجب أبوتليح يكتب.. «لماذا تتعدد الطرق الصوفية ؟!»

 

الشيخ محمد رجب أبوتليح يكتب.. «لماذا تتعدد الطرق الصوفية ؟!»

لماذا تتعدد الطرق الصوفية ؟!،سؤال معتبر يتردد من حين لآخر من كثير من الناس والناس فيه فريقان :

فريق لا يعلم حقيقة هذا التعدد ويعتقد أنه نتيجة اختلافات وصراعات بين هذه الطرق في المنهج والاعتقاد، وفريق يعلم ولكنه يتجاهل ولا يبغي إلا الصراع الفكري لإثبات الذات وإرضاء الغرور النفسي .

وهنا دعونا قبل أن نتكلم عن أي شيء نقرأ هذه الروايات لعلنا نفهمها ونحيط بها علما : أخرج الترمذي في (سننه) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ ؛ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ : (( لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ))، وأخرج النسائي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ : أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : ((عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ ؛ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ ))، وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُنَا بِالصَّدَقَةِ، فَمَا يَجِدُ أَحَدُنَا شَيْئًا يَتَصَدَّقُ بِهِ، حَتَّى يَنْطَلِقَ إِلَى السُّوقِ، فَيَحْمِلَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَجِيءَ بِالْمُدِّ، فَيُعْطِيَهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِنِّي لَأَعْرِفُ الْيَوْمَ رَجُلًا لَهُ مِائَةُ أَلْفٍ مَا كَانَ لَهُ يَوْمَئِذٍ دِرْهَمٌ، وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ : (( أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ؟ )) . قَالَ : نَعَمْ. قَالَ : ((فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ))، وأخرج الترمذي عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ، فَقَالَ : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ )) . قَالَ أُبَيٌّ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي ؟ فَقَالَ : (( مَا شِئْتَ )) . قَالَ : قُلْتُ الرُّبُعَ ؟ قَالَ : (( مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) . قُلْتُ : النِّصْفَ. قَالَ : ((مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) . قَالَ : قُلْتُ : فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : (( مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) . قُلْتُ : أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : (( إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ ))، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله ﷺ : أي العمل أفضل؟ فقال: (( الصلاة لوقتها))، قلت: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين))، قلت: ثم أي؟ قال ((الجهاد في سبيل الله)) . رواه مسلم.

وقال رسول الله ﷺ: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟)) . قالوا: بلى. قال: ((ذكر الله تعالى)) . رواه الترمذي، وقال رسول الله ﷺ : ((أفضل الأعمال الصلاةُ في أول وقتها)) أخرجه أبو داود والترمذي، قال رسول الله ﷺ: ((أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطعمه خبزاً)) أخرجه البيهقي وابن أبي الدنيا، قال رسول الله ﷺ: ((أفضل العمل إيمانُ بالله، وجهاد في سبيل الله)) صحيح رواه ابن حبان،  قال رسول الله ﷺ: ((أفضل العمل الصلاة لوقتها، والجهاد في سبيل الله)) . أخرجه البيهقي في ( شعب الإيمان)، قال رسول الله ﷺ: ((إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون)) . أخرجه الطبراني وأحمد، وقال رسول الله ﷺ: ((أحبُ الأعمال إلى الله أن تموت ولسانُك رطب من ذكر الله)) . أخرجه ابن حبان والطبراني في (الكبير )والبيهقي، وقال رسول الله ﷺ: ((أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله، ثم صلةُ الرحمُ، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأبغض الأعمال إلى الله الإشراكُ بالله، ثم قطيعةُ الرحم)) . أخرجه أبو يعلي في (مسنده)، وقال رسول الله ﷺ: ((أحبُ الناس إلى الله أنفعهمُ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخلهُ على مسلم، أو تكشف عنه كربةً، أو تقضي عنهُ ديناً، أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجةٍ أحبُ إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كفّ غضبه، ستر الله عورته، ومن مشي مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها لهُ، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخلُ العسل)) . أخرجه الطبراني في (الكبير)، وابن أبي الدنيا، وقال رسول الله ﷺ: ((أفضلُ الأعمال الإيمان بالله وحده ثم الجهاد، ثم حجةٌ برةٌ تفضل سائر الأعمال، كما بين مطلع الشمس إلى مغربها)) . أخرجه الطبراني في (الكبير) .

وعن معاذ بن جبل  رضي الله عنه  قال: كنت مع رسول الله ﷺ في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، قال: ((لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسَّره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)) … الحديث. أخرجه أحمد والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجة .

هذه مجموعة من الأحاديث المروية عن رسول الله ﷺ تراها إما جاءت جوابا على سؤال وجه إليه بقول أحدهم : دلني على عمل أو أفضل العمل أو جاء تقريرا وتنبيها منه لأمته ﷺ ليحرصوا على ما ينفعهم، ولكن ما نربد أن ننتبه له: لماذا اختلفت إجابات رسول الله ﷺ وتقريراته عن سؤالات ناطقة أو صامتة تجول في عقول ونفوس المسلمين تكاد تتفق في معناها وهو الحرص على معرفة عمل ينجي صاحبه ويسبق به إلى رضا الله تعالى ؟!!! لكننا نجد اختلاف إجابات . وهنا السؤال : لماذا ؟، لأن شعب الإيمان كثيرة وسبل الهداية متعددة في الظاهر متحدة في الحقيقة والمعنى أي أن كل سبيل موصل إلى رضا الله تعالى فهو سبيل من سبل هداية الله تعالى وهذا مصداقه قول الحق عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ (العنكبوت/٦٩) .

وكذلك قول الله تعالى على لسان من اهتدى ووصل إلى رضوانه من خواص عباده وأحبابه . قال تعالى: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ (إبراهيم/12) .

فجاء سبيل الهداية هنا بصيغة الجمع لا بصيغة المفرد لتعدد شرائع الإسلام وتنوع العبادات فيه ما بين عبادات بدنية وروحانية وعقلية كالتفكر في الملك والملكوت وعبادات قلبية، وذلك لحكمة سامية من الله تعالى فهو الذي خلق العباد وهو أعلم بهم وهو الذي يعلم أن النفس إذا داومت على فعل شيء واحد قد يطرأ عليها الكلل والملل .

فعدد الله تعالى سبل الوصول إلى مرضاته . وكانت إجابة النبي ﷺ بحكمة نبوية للسائل موافقة لحاله . فمنهم من رأى فيه القوة الجسمانية والصحية فأرشده إلى الجهاد في سبيل الله أو الصوم أو الحج أو قيام الليل، ومنهم من رأى احتياج والديه إليه فأمره ببرهما . ومنهم من رأى فيه روحانية عالية فدله على كثرة الذكر ومنهم من رأى فيه تعلقا قلبيا بجنابه الأكرم ﷺ فدله على كثرة الصلاة عليه … إلخ .

وهذا أمر لا يوجد عاقل يحكم عليه بأنه اختلاف في مناهج العبادة بل سيعلم أنما هو تنوع وثراء في هذه الشريعة الخاتمة التي جاءت لتسد احتياجات النفس الإنسانية وتهذبها وتسمو بها في مقامات الارتقاء الإيماني والروحاني والغاية في كل ذلك واحدة ألا وهي: الوصول إلى الله تعالى ونيل رضاه حبا له وشوقا إليه عز وجل .

وهذا على التحقيق هو الأصل في تعدد مناهج التصوف وطرقه، فليس هناك اختلاف أو صراع بين طرقه ومناهجه بل تنوعت طرقهم في الوصول إلى الله تعالى بتعدد سبل العبادات والهداية كل أخذ بالسبيل الأنسب له روحانيا ونفسيا وقلبيا يراه أسرع طريق أوصله إلى ربه .

فتجد طريقة قامت أصولها على كثرة ذكر الله تعالى . وأخرى قامت أصولها وأورادها على تلاوة القرآن . وأخرى على كثرة الصلاة على النبي ﷺ وآله . وأخرى على كثرة الصلاة . وأخرى على كثرة الصوم …وهكذا . والكل متفق على أصول الشريعة والاعتقاد والعبادات كالصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة وأصول الاعتقاد والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر . ولا اختلاف أصلا في ذلك بينهم .

إنما التعدد في تعدد مناهج تربية النفس فمنهم من اتخذ منهجه بالتعليم والعلم ومنهم من اتخذه بالصوم والخلوة والتفكر والذكر ومنهم من اتخذه بالتعلق بالجناب النبوي الشريف ﷺ وكثرة الصلاة عليه … إلخ .

فكلهم من رسول الله ملتمس *** غرفا من البحر أو رشفا من الديم .

وكل شيخ دل محبيه وأتباعه على ذلك المنهج الذي وصل به إلى الله تعالى .

والميزان في ذلك الذي يرد به المنهج أو يقبل هو ميزان الشريعة وموافقة هذا المنهج وهذه الأعمال لأصولها وفروعها وإقامة الأدلة من الكتاب والسنة على صحة ذلك كله بما يثبت الإتباع لا الابتداع .

فقل لي بربك هل فهمت القضية أم يبقى عندك سوء فهم .

فيقال : فما بال ما نراه عندهم أفيوافق هذا ميزان الشريعة أم لا ؟!!

نقول : رويدا رويدا فكل آت قريب ولن نترك لك شيئا في نفسك إلا وستجد عليه إن شاء الله جوابا والفيصل بين الحق والباطل كما قلت لك هو الكتاب والسنة وعمل السلف رضي الله عنهم من الصحابة والتابعين .

فصبر جميل .. وإلى لقاء .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى