مصر التي نحب
بقلم الصحفى السودانى الكبير / على سلطان
سارح و سرحان في ذكريات وخواطر واظن انني مشيت بعيدا في درب الذكريات والخواطر، فكان الرجوع إلى المربع الذي انطلقت منه صعبا.
عدتَُ مصابا بخدوش وكدمات من رحلة الذكريات الموغلة في البعد.. كان هاجس ذكرياتي السفر والتنقل من مكان إلى مكان ومن بلد الى بلد وتلك هي بضاعتي وحياتي وأجمل مافيها أنني أحمل عصا الترحال وليس عصا الراعي التي يُهش بها على غنمه.. ولكنها عصا تشبه عصا الجنيات وعصيهن كانت تشبه( المقشاشة)فكن يطرن بها من بلد الى بلد.. والآن كثير من جنيات الإنس يفعلن ذلك.. فطور في لندن وغداء عمل في باريس وعشاء في دبي..!!
تذكرت مع سياحة الذكريات أنني قبل سنوات طويلة خلت لعلها نهاية التسعينيات كنت ضيفا في تلفزيون السودان على الاذاعي الفذ والشاعر عبدالله محمد الحسن الذي اكرمه الله ببرنامج بنك الثواب.. لا أذكر إسم البرنامج ولكنه سألني عن المدينة التي أود أن اكون فيها الآن؟ وكنت عائدا لتوي الى الخرطوم من هونغ كونغ.. فقلت له على ما أذكر .. دعني بداية أعتذر لصديقي الدكتور سيد التلب الذي كنت ضيفا عنده قبل أيام ولن أقول هونغ كونغ.. بل أتمنى أن أكون الآن في القاهرة..!!
وسألني لماذا القاهرة؟ قلت لأنها المدينة التي أحب دون سائر مدن الدنيا.. أحب أن أسافر من القاهرة الى اي بلد وأعود من أي بلد الى القاهرة..!
تذكرت كل ذلك قبل قليل.. وأنا أُعَبّرَُ عن شوقي و اشتياقي الى القاهرة التي فارقتها في مطلع يونيو 2023 أي قبل حوالي عام تقريبا حيث سافرت الى قوانزو الصين.. وحيث انا هناك تم منع دخول السوادنيين الى مصر إلا بتأشيرة دخول.. وكنت أنا وكل من تجاوز عمره الخمسين عاما والنساء السودانيات والأطفال دون الثامنة عشرة يحق لهم دخول مصر بدون تأشيرة مسبقة بل تُمنح لهم التأشيرة عند كاونتر الجوازات ومجانا.. تلك نعمة كبري فقدناها بين نعم كثيرة.. وحيث إنني لا أملك إقامة في أي بلد خارج السودان فلن أستطيع أن أقدم لتأشيرة دخول الى مصر إلا عن طريق القنصلية المصرية في بورتسودان أو حلفا، وحيث إنني غير مقيم في السودان حاليا فلن أستطيع أن أقدم للحصول على تأشيرة مصر..!!
معضلة عويصة أشكو واعاني منها أنا و كثيرون مثلي يمرون بالظرف ذاته.. وينتظرون أن تبادر الجهات ذات الصلة في مصر بالسماح للسودانيين فوق سن الخمسين بدخول مصر إن شاء الله آمنين..!! فنحن كل أمورنا وشؤوننا وأهمها العلاج في مصر المآمنه..وحيث إن اتفاقية الحريات الأربع ماتزال سارية بين مصر والسودان ولم يتم الغاؤها بعد.. فأتمنى النظر في هذا الأمر.. والسماح للسودانيين والنساء والأطفال بدخول مصر.
لقد اشتقت إلى مصر حقيقة واشتقت الى اصدقائنا واحبابنا هناك خاصة في مقهى فنون في منطقة التوفيقية التي اصبحت بيتنا الثاني ومكان سهراتنا اللطيفة مع الأحباب .
قصة عشقي لمصر بدأت بالقراءة النهمة للكتاب المصريين أمثال عباس العقاد وطه حسين والمازني والرافعي والمنفلوطي ثم افذاذ الروائيين المصريين نجيب محفوظ إحسان عبدالقدوس وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي ويوسف ادريس ومحمد عبدالحليم عبدالله ويحيى حقي وغيرهم من مئات الروائيين المصريين أضف الى ذلك الصحف المصرية الأهرام الاخبار اخبار اليوم الجمهورية والمجلات آخر ساعة المصور اكتوبر الكواكب الهلال والسينما المصرية منذ ايام الأفلام الأبيض والأسود.. واذكر هنا الأخ لطفي هابيل ومكتبته في سوق شندي الكبير التي فتحت لنا المجال واسعا للقراءة والاطلاع اضافة الى مكتبة العدسي.. الخ
غير أن الذي أشعل فينا حب مصر هو زيارتنا لها ونحن طلبة في الصف الثاني في شندي الثانوية حيث سافرنا في مثل هذا الشهر في مايو 1973في رحلة لجمعية الجغرافيا بمدرسة شندي الثانوية الى مصر وكنا نحن نحو 25طالبا ومشرفا واستاذا هو الأستاذ شرف الدين.
رحلاتناَ كانت بالقطار من محطةَالسكة حديد شندي الى مدينة حلفا ومنها بالباخرة النيلية الى أسوان وبالقطار القشاش الى القاهرة وسافرنا منها بعد ايام الى الاسكندرية بالقطار ايضا.
تلك الرحلة ماتزال محفورة في الذاكرة بكل تفاصيلها وهي كانت سببا في ان نحب مصر أكثر واكثر .
إن مابين السودان ومصر عامر و جذورنا معاَ تمتد الى عمق عميق في هذه الأرض ويجمعنا النيل الخالد.. كل محاولات تشويه هذه العلاقة وبذر بذور الفتنة بين الشعبين والبلدين البلد الواحد.
صحيح نحن السودانيين الآن نمر بمحنة قاسية شديدة ليس هناك أقسى وأشد منها.. ولكن حتما سنعود.. وسيكون السودان بعد شهور بلدا يضجُ َبالاعمار والتعمير.. وسيكون لأبناء مصر اسهام مقدر في إعادة التعمير والبناء خاصة الحرفيين وشركات المقاولات المصرية.. فعلينا أن لا نضيق واسعا.. وأن نتكامل معا من أجل مستقبل واحد مشترك في خضم عالم مضطرب يحاول اشراره تفتيته وتقسيمه إلى دويلات صغيرة.. ولكن هيهات..!!
وللحديث صلة