اخبار العالمتنميه مستدامة

دكتور فاروق الباز وحروب المياه : أحاديث عن شكل المستقبل

بقلم الكاتب السودانى الكبير / الفاتح كامل

من منا لا يعرف الدكتور فاروق الباز، العالم الأبرز في المجالات العلمية والأبحاث المرتبطة بها. حتى إن بعضهم شبّهه بقامة الإهرامات المصرية، وهو بالمناسبة يستحق كل ذلك بل أكثر. في هذا المقال لسنا بصدد التعريف بهذا العالم الكبير، فسيرته الذاتية الضخمة مبذولة للقاصي والداني عبر مواقع البحث بالشبكة العنكبوتية كافة وقد شغلت العالم بكل أصقاعه.
لكن ما يلفت حقيقة في هذه السيرة الزاخرة بالإنجازات:
*انضمامه إلى جامعة بوسطن في عام 1986م، وذلك بمركز الاستشعار عن بعد باستخدام تكنولوجيا الفضاء في مجالات الجيولوجيا والجغرافيا، وقد طور نظام الإستشعار عن بعد في اكتشاف بعض الآثار المصرية.
*انتخابه كعضو، أو مبعوث أو رئيس لما يقرب من 40 من المعاهد والمجالس واللجان، منها انتخابه مبعوثاً لأكاديمية العالم الثالث للعلوم TWAS عام 1985م، وأصبح في مجلسها الاستشاري عام 1997م، وعضواً في مجلس العلوم والتكنولوجيا الفضائية، ورئيساً لمؤسسة الحفاظ على الآثار المصرية، وعضواً في المركز الدولي للفيزياء الأكاديمية في اليونسكو، ومبعوث الأكاديمية الإفريقية للعلوم، زميل الأكاديمية الإسلامية للعلوم في باكستان، وعضواً مؤسساً في الأكاديمية العربية للعلوم في لبنان، ورئيساً للجمعية العربية لأبحاث الصحراء.
*حصوله على ما يقرب من 31 جائزة، منها: جائزة إنجاز أبوللو، الميدالية المميزة للعلوم، جائزة تدريب فريق العمل من ناسا، جائزة فريق علم القمريات، جائزة فريق العمل في مشروع أبوللو الأمريكي السوفييتي، جائزة ميريت من الدرجة الأولى من الرئيس أنور السادات، جائزة الباب الذهبي من المعهد الدولي في بوسطن، الابن المميز من محافظة الدقهلية، وقد سميت مدرستها الابتدائية باسمه، وهو ضمن مجلس أمناء الجمعية الجيولوجية في أمريكا، المركز المصري للدراسات الاقتصادية، مجلس العلاقات المصرية الأمريكية. وقد أنشأت الجمعية الجيولوجية في أمريكا جائزة سنوية باسمه أطلق عليها “جائزة فاروق الباز لأبحاث الصحراء”.
*تبلغ أوراق د. الباز العلمية المنشورة ما يقرب من 540 ورقة علمية، سواء قام بها وحيداً أو بمشاركة آخرين، ويشرف على الكثير من رسائل الدكتوراه.
* ويشغل حالياً منصب رئيس مركز أبحاث الفضاء في جامعة بوسطن
فإن رجعنا إلى بدايات د. فاروق الباز، فقد يتساءل أحد أبناء جيلنا الحالي؛ أين يكمن سر عبقرية ونبوغ د.الباز؟. فهلا تساءل عن وصفة مماثلة تعينه على مستجدات حياته العلمية والعملية كما فعل ذلك العالم الجليل، مع يقيني التام أن مكونات العبقرية في حالات كثيرة هي حالة فردية غير قابلة للتكرار، ولكن طلب القدوة في كل الأحوال مطلوب.
فإن كانت الثقافة في السابق تعنى بتغطية الجانب الأدبي عموماً، كحفظ أبيات من الشعر، ومعرفة مسرحيات لشكسبير، وجوانب من علم النفس وما شابه، ومع تقديرنا لهذا الجانب المهم من الثقافة؛ إلاّ أن ثقافة الحاضر فرضت ضرورات لمعرفة بعض الأبعاد العلمية والتكنولوجية لهذا العصر مع عدم إغفالنا بالطبع للجانب الثقافي الاجتماعي الإنساني.
ففترة ما بعد الثورة الصناعية أو الحداثة حسب المصطلح الغربي؛ بالضرورة تفرض نوعاً جديداً من الثقافة على مُجايليها على الأقل ومن دون هذا يظل الحديث عن المجتمع العصري ناقصاً؛ إذ يتجه العالم الآن بكلياته إلى نوع من التخصص العلمي الدقيق، وفي ضوء طرح مسيرة د. الباز؛ يتطلب الأمر نوعاً من الإعداد الذهني الجيد على مستوى قاعدة الشباب؟.
إن دولاً عربية وإسلامية كثيرة تعاني مما يُعرف بمشكلة الإنفجار السكاني، وهو تطور فرضه التمدن بصوره المستحدثة، وبما تم تسخيره من إمكانات في المجالات الإقتصادية والصحية والخدمية وما شابه، وهو أمر جيد- في كل الأحوال- إن أحسنّا استخدام هذه الزيادات في عدد السكان لتفعيل نهضة فكرية،اقتصادية وعمرانية شاملة، مع خلق مزيد من فرص التكامل بين هذه الدول التي تجمعها هوية دينية وثقافية واحدة.
فهل طرحنا في دول المجتمع العربي على أنفسنا، ما هي البداية التي يمكن من خلالها لهذه الدول مجتمعة أن تنفذ إلى ساحات التقدم والولوج في تكنولوجيات هذا العصر بصورة يغلب عليها الإيجاب لا السالب؟.
هذا بعيداً عن الجدلي الذي قد يتداخل فيه الجانب الفلسفي مع غيره، حول هل قدمت التكنولوجيا الحديثة حلولاً متكاملة لإنسان الحاضر؟. أم عقّدت كثيراً من جوانب حياة كانت تمضي في الماضي بسهولة ويسر؟.
ودون التوغل في طرح مزيد من الإيضاحات حول نفس محور السؤال السابق؛ نتساءل هل يكمن العيب في هذه التكنولوجيا التي سيطرت على جوانب كثيرة من حياتنا؟، أم العيب يكمن فينا نحن الذين أسأنا استخدام هذه التكنولوجيات في مجالات لم تخلق لأجلها أصلاً. هذا إن أحسنّا الظن بمنتجي هذه التكنولوجيات واستبعدنا سوء النية من قبل بعضهم؛ بغية تحقيق مزيد من الأرباح على حساب مستخدمي تكنولوجياتهم، وهو ما يتم في غالب الأحيان في ظل غياب الوعي بضرورة ترشيد الإنفاق، وسيطرة التفكير الاستهلاكي في مناطق تعاني ما تعاني من انتشارٍ للجهل والمرض والفقر.
فهل نحلم باليوم الذي نكون فيه مشاركين حقيقيين في إبداع وإنتاج هذه التكنولوجيات كما فعل د.الباز. أم نظل مجرد متلقّين لها- لا غير- كما نفعل الآن؟.
فمن المفروغ منه أن أي شكل من أشكال التقدم واستقرار العالم المستقبلي يعتمد بصورة أو بأخرى على امتلاك أكبر قدر ممكن من التكنولوجيات في مجالات الطيران والفضاء بما تتضمنه من أجهزة الرصد والاستكشاف الجوي بما فيها الأقمار الاصطناعية الخاصة بالأبحاث والدراسات هذا بجانب الأجهزة المتضمنة للتكنولوجيات الطبية والتعليمية وما شابه. وهي أولى الخطوات الواجب سيرها لنضع أقدامنا بصورة صحيحة على طريق التقدم العلمي والتكنولوجي؛ الذي تشهده أجزء واسعة من عالمنا المعاصر إن حاولنا الاستفادة من تجارب د. الباز الثرّة في هذا المجال بصورة فعلية وقبل ذلك بطريقة فعالة.
في برنامج بلا حدود في قناة الجزيرة منذ سنوات ، وخلال زيارته إلى السودان والتي أجريت خلالها مقابلة قصيرة معه تم نشرها في صحيفة التغيير السودانية وقتها؛ تحدث العالم المصري الأشهر د. فاروق الباز عن وجود تكوين جوفي مائي كبير(ما يمكن تشبيهه ببحيرة ضخمة ترقد في باطن الأرض) في منطقة دارفور غرب السودان رصدته صور الأقمار الاصطناعية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية مستخدمة تكنولوجيا الاستشعار عن بعد، وهو ما يرجح أيضاً من احتمالية توافر النفط واليورانيوم بكميات كبيرة في نفس المنطقة، هذا الكشف للعالم الكبير هو أحد أهم المؤشرات على ما يدور في هذه المنطقة من صراعات مُعلنة ومُستترة ومن عدة قوى دولية.
فالدكتور فاروق الباز- الذي انضم إلى مركز الاستشعار عن بعد باستخدام تكنولوجيا الفضاء التابعة لجامعة بوسطن- استطاع بناء سيرة ذاتية عامرة بالإنجازات الهائلة كماً وكيفاً وقد أشرت في هذا المقال إلى بعض أبرز النقاط فيها؛ إذ يعد انضمامه لعلماء جامعة بوسطن نقطة تحول مهمة في مسيرة حياته، ومما زاد في سيرته الذاتية بهرجاً وألقاً في منظوري الخاص، أو منظور أهل السودان كافة. كما أعتقد أن إعلانه عن البحيرة المائية بغرب السودان في منطقة كانت كل بدايات صراعاتها الداخلية تقريباً تقوم حول المياه واقتسام مصادرها الشحيحة بين المزراعين والرعاة من أبناء المنطقة.
هذا الإعلان المهم والذي تم الكشف عنه منذ فترة ليست بالقصيرة، يزيد من اهتمامنا في هذا المقال بتسليط الضوء على تكنولوجيا الاستشعار عن بعد. والذي تأتي أهم تطبيقاته واستخداماته؛ التي قامت عليه؛ وتحديداً في مجالي الجغرافيا والجيولوجيا.
وفي تكنولوجيا الاستشعار عن بعد كان الإنسان- كعادته في كثير من المجالات بما فيها هذا المجال نفسه- مقلداً لما أوجده الخالق العظيم من كائنات وإمكانيات زود بها بعض مخلوقاته؛ ودونكم عشرات الحشرات التي زودها الخالق العظيم بقرون استشعار تبحث عن الأخطار المحدقة بها، والأقوات التي تعيش عليها، وغير المرئي من الأشياء من ارتدادات تساعدها في تحديد اتجاهاتها إن لم نقل مسارات حياتها بالكلية.
في كتابه المهم ( عيون تكشف المجهول ) تحدث الدكتور مهندس محمد عبد الهادي -الأستاذ بجامعة ولاية أوكلاهوما بالولايات المتحدة الأمريكية- باستفاضة عن تكنولوجيا الاستشعار عن بعد وحقيقة استفدت فائدة كبيرة من هذا الكتاب في إعداد هذه المقالات ( فالاستشعار عن بعد هو استخدام طرق متعددة ـ وعيون خاصة لها قدرات خارقة ـ للنظر والدراسة لظواهر أو أهداف معينة من مسافات بعيدة دون الحاجة إلى الإقتراب أو التلامس مع هذه الظواهر أو الأهداف ـ وتحت ظروف لا يمكن للعين البشرية أن تصل إليها ـ سواء كان ذلك نهاراً أوفي الظلام الدامس.
الاستشعار من البعد ـ بإسلوب التصوير من ارتفاعات كبيرة ـ ليس فناً حديثاً، بل يرجع تاريخه إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، ولكن الفوائد الهائلة للتصوير الجوي وخاصة للأغراض العسكرية لم تتضح أهميته البالغة حتى الحرب العالمية الثانية ـ فإستخدمته قوات المحور على نطاق واسع في غزو فرنسا ـ وكان للدراسات الناجحة التي قامت بها قوات المحور ـ مستخدمة الاستكشاف الجوي فيها ـ أثرها البالغ في إعداد ونجاح خطة ضرب مطارات الحلفاء في الجبهة الغربية، وقد تنبأ القائد العسكري الألماني المشهور الجنرال(فرنهم فون فريتش) في ذلك الوقت؛ وبالتحديد عام 1938م بأهمية الاستكشاف الجوي في كسب الحرب العالمية الثانية عندما قال(إن الدولة التي سوف تملك أكثر أجهزة الإستكشاف فعالية هي التي سوف تكسب الحرب التالية).
وعلى الرغم من تفوق العلماء الألمان في بداية الحرب العالمية الثانية في فن الاستكشاف الجوي إلا أن بعض دول الحلفاء- وعلى الأخص الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي وإنجلترا ـ وبعد إدراكهم لأهمية هذا السلاح الفعال- انكبوا على دراسات واسعة وأفرغوا جهداً كبيراً لبناء أجهزتهم الخاصة بالاستكشاف والاستشعار، ولعب هذا التقدم بعد ذلك دوراً هاماً في حصار ليننجراد وفي معارك الباسفيك عام 1943م مما دعا الأدميرال ( تيرنر ) قائد القوات الأمريكية البحرية إلى قوله المشهور (إن الاستكشاف الجوي كان أحد وسائلنا الفعالة في معارك الباسفيك ولا يمكن التقليل من أهميته).
وتقديراً للأهمية البالغة التي يلعبها علم الإستكشاف الجوي في تقديم معلومات لا سبيل إلى الشك في صحتها ودقتها عن أماكن متعددة فوق سطح الأرض وفوق كثير من أقطار العالم ـ معلومات يتوقف على نتيجة دراستها إستراتيجية السلام وتوازن القوى في العالم.
ولعلنا نتذكر جميعنا الأزمة التي أوصلت العالم إلى شفا حرب عالمية ثالثة عام 1962م عندما إكتشفت الولايات المتحدة، مستخدمة الوسائل المتقدمة للإستشعار من البعد فوق جزيرة كوبا- وجود قواعد للصواريخ السوفيتية بها- وهو ما عرّض حينها الأمن والسلم الدوليين لخطر داهم إن لم يتم تدارك تلك الأزمة التي كان يمكن أن تعصف بالعالم كافة.
وفي وقتنا الحالي إلى جانب الأجهزة الأرضية، حملت طائرات الإستطلاع الأجهزة الحديثة للإستشعار عن بعد، ثم إنطلقت سفن الفضاء تحمل هذه المعدات إلى أبعاد مئات آلاف الكيلومترات في عالم الفضاء اللانهائي- ودونكم ما تحدثنا عنه أعلاه من صور التقطتها تلك السفن الفضائية والأقمار التابعة لبعض المراكز الفضائية ك(ناسا) لمناطق في دارفور؛ وربما مناطق أخرى في السودان لم يتم الكشف عنها حتى اللحظة لأغراض في بطون الأمريكان- وهو ما يؤشر حقيقة للآفاق التي ارتادتها هذه التكنولوجيا في وقتنا الحاضر بعد سنوات من الأبحاث والجهد المتواصل.
وكان هذا التقدم الذي أحرزته تكنولوجيا الاستشعار عن بعد نتيجة للإمكانيات الهائلة التي تقدمها هذه الوسائل المتطورة في المجالات العسكرية، مما أدى إلى الصرف بسخاء على تطوير الأجهزة العاملة لخدمة هذه التكنولوجيا سعياً وراء التفرد والتفوق في هذا المجال الحيوي. فتكنولوجيا الفضاء من جهة والتكنولوجيا العسكرية من جهة أخرى، هما اللتان فرضتا تقدما تقنيا هائلا في التطبيقات المدنية كافة، حتى على مستويات الاستخدام الشخصي للأجهزة الإلكترونية بمختلف أنواعها ومسمياتها والتي أصبحت من الأهمية بمكان في حياة كل واحد مِنا الآن.
وفي مجال الأجهزة التي تستخدم للاستشعار عن بعد، يدور كثير من الحديث المثير حول إلى أين وصلت تقنيات هذه الأجهزة وما هو أحدثها؟. وما هي استخداماتها التطبيقية؟.

أما ما يهمنا نحن في السودان بالدرجة الأولى بعيداً عن الإستخدامات العسكرية والاستخباراتية لهذه الأجهزة وإن استُصحبت في البال، فحقيقة ما يهمنا بالسودان هي تلك الأجهزة والمعدات التي تقود للمكامن المائية وخصوصاً في غرب السودان؛ إذ ظلت هذه المناطق تعاني من الجفاف والتصحر فترات طويلة، ومشكلة المياه بها تحتاج لحلول جذرية. مع الإشارة إلى أن الحكومات السودانية في فترات مختلفة بذلت جهوداً مُقدرة في هذا المجال، لحل هذه المشكلة القديمة المُتجددة، رغم كل التعقيدات التي أصبحت تعاني منها المنطقة في الفترة الأخيرة.
وأخيراً كما يعلم جميعنا توجد في جنوب السودان الدولة الجديدة.
المستنقعات والغابات المنتشرة في بحر الغزال وأعالي النيل وكلها مناطق يصعب استكشافها ناهيك عن حصر موارد ثرواتها الطبيعية الهائلة، هذا إلى جانب صعوبة دراسة خواص المنطقة بالوسائل التقليدية. يجري الحديث مرة أخرى عن ماذا تستطيع التكنولوجيا الحديثة في الاستشعار عن بعد أن تقدمه لنا من إمكانيات لدراسة كل هذا الثراء المهول. إلى جانب إمكانية بحث أفضل السبل لاستغلال هذه الثروات حتى لا يتم المزيد من الهدر لها. وهو ما سيعود في يقيني- إن أحسن هذا الاستغلال بالصورة المثلى- بالفائدة على مجموع دول الجوار؛ وربما أبعد منها، وقبل كل ذلك إنسان المنطقة نفسها بالدرجة الأولى إذ هو في أشد الحاجة لإحداث درجة عالية من التنمية المستدامة.
الماء والنفط والثروات المختلفة بجانب الإشارات المهمة التي ذكرناها عن د. فاروق الباز، تحدث خبراء جيولوجيون في الفترة الأخيرة عن رصد الأقمار الاصطناعية الأمريكية والأوروبية لصور ومعلومات طبوغرافية حديثة عن السودان، وتتحدث هذه المصادر عن أن هذه الصور أثبتت وجود أحواض رسوبية عميقة في المناطق الواقعة غرب السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى فيما يعرف بمنطقة المثلث النفطي، وكامتداد طبيعي؛ ربما حتى الحدود الليبية.
ويضيف هؤلاء الخبراء أن مثل هذه الأحواض الرسوبية غالباً تحتوي على كميات ضخمة من المياه الجوفية وربما النفط والغاز وبكميات أكبر مما يتصور الجميع حسب هؤلاء الخبراء.
وكما يعلم الجميع تعاني هذه المنطقة من شح في مصادر المياه. فماذا عن صحة هذه المعلومات أولاً؛ ثم ما مدى صدقية هذه الاكتشافات الجيولوجية المهمة، وأين توجد هذه الأحواض الرسوبية بوجه محدّد؟؛ إذ حسب علمي لم نُمّلك بالسودان حتى هذه اللحظة الصور والخرائط التي تحدد أماكن هذه الأحواض بدقة.
وفوق كل ذلك هل تم وضع خبراء الجيولوجيا بالسودان في الصورة لما لهذه الدراسات من أهمية وخاصة بجزء عزيز من بلادهم، أم أن الوضع لا يزال بيد علماء الجيولوجيا الأجانب وحدهم حتى إشعار آخر؟.
ثمة أسئلة كثيرة حائرة تبحث عن إجابة حول ما هي الآفاق التي سيفتحها اكتشاف هذه الأحواض الرسوبية والتي تحتوي على كميات وفيرة من المياه، في مناطق عانت ولفترات طويلة من التنازع على الماء والكلأ. وهو عموماًَ ما شهدنا منه فصولاً في نزاع دارفور الأخير والذي قامت بتدويله بعض الأطراف.
وفي صراحة شديدة وقبل أن يتوقف سيل الأسئلة التي نطرحها في نهاية هذه السلسة من المقالات، نقول هل يوجد في سلّم أولوياتنا إذا أردنا مصلحة أهل المنطقة الماء أم النفط أولاً؟.
ثم ماذا عن ترافق وجود النفط والغاز في هذه الأحواض الرسوبية وبكميات ضخمة كما يتحدث هؤلاء الخبراء؟. فبعضهم يتحدث على أن المنطقة تعوم في بحيرة من النفط- وهو عموماً- ما قد يفسر الإهتمام الغربي أخيراً بهذه المنطقة والتي تم تجاهلها لسنوات عدة من قبْل؛ ومن قِبَل نفس تلك الدول.
فدارفور الغنية بالنفط، جذبت أطماع القوى الكبرى، إذ يتوقع الخبراء أن المعركة المستقبلية في هذه المنطقة- الواقعة الآن تحت دائرة الضوء- سوف تكون بين شركات النفط العملاقة وهو ما سيعمّق الصراعات والرهانات الجيوبلوتيكية بين الصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى؛ وهو نزاع ربما يتداخل به أيضاً اهتمام أوروبي متزايد، فكيف ننظر جميعا أهل الحكم والسياسة في بلادي ومثقفيه وباحثيه لمستقبل هذه المنطقة في ظل كل هذا الكم من الصراعات الدولية المحتملة، وحتى لا تتحول نعمة النفط هذه إلى نقمة على سائر دول المنطقة لا قدر الله.
ثم كم وكم من الوقت نحتاج في منطقة دارفور كي نصل للاستغلال الفعلي لهذه الثروات سواء كانت مياهاً أو نفطاً؟.
فبينما يشير عدد من الخبراء إلى أن حروب المستقبل سوف تكون على مصادر المياه، ومستقبل الأمن المائي للدول العربية وعلى رأسها السودان ومصر في وجود مثل هذه الصراعات المُحتملة، وهنا لا نتحدث عن الأبعاد السياسية بقدر ما نتحدث عن الاستفادة من التكنولوجيا الجيولوجية الحديثة لدعم هذا الأمن المائي حاضراً ومستقبلاً حفاظاً على هذا المورد الحيوي والمهم لكلا البلدين.
ومرة أخرى وبعيداً عن الأفكار الخاطئة التي ذهب إليها بعضهم بعيداً عن نوايانا الطيبة لفتح هكذا ملفّات، ماذا عن آفاق الاستغلال الأمثل للمتوفر حالياً من مياه نهر النيل في ظلال ما يتوافر لدي الطرفين في السودان ومصر من معلومات عن شح المياه المستقبلي المتوقع؟.
وحتى نصل إلى خلاصة علمية مفيدة- ولكلا الجانبين- هل توجد مقترحات محددة في مجال تقليص الفاقد من مياه النيل على الأقل والتي تذهب للبحر الأبيض المتوسط. إذ يتحدث بعض الخبراء عن المليار متر مكعب التي تذهب هدراً في البحر، وكذلك ما يحدث في منطقة مستنقعات جونغلي من هدر أيضاً للمياه والتي تذهب بخراً في الجو نتيجة لتسطح المياه في منطقة كبيرة، وخصوصاً- كما علمت- أن هناك دراسات قيمة بهذا المعنى والتي يمكن أن يفيد فيها د. الباز فائدة عظمى إذ أن تخصصه يلامس كل هذا.
هذا إذا علمنا أن الجزء الثاني من الهدر يكمن حله في مشروع قناة جونغلي التي أوقفتها الحرب؛ فلماذا يستمر توقف المشروع بعد أن توقفت الحرب تماماً؟، والسؤال يحتاج إلى إجابة شافية ومن كلا البلدين.
ثم ماذا عن وضع المياه الجوفية مستقبلاً في المنطقة في ظل وجود ظروف الجفاف والتصحر والذي يضرب القارة الإفريقية في فترات متقاربة في الفترة الأخيرة، خصوصاً في المناطق الصحراوية والتي تغطي أجزاء لا يستهان بها من السودان ومصر وليبيا على سبيل المثال هذا ناهيك عن صحراء الجزيرة العربية المترامية الأطراف وكلها تدخل ضمن النطاق الحيوي لهذه الأمة؟.
مع يقيني بأننا في السودان الآن نحتاج لخبرات عدة تساهم في عملية التنمية الدائرة في البلاد. فماذا عن الإستفادة من خبرات د.فاروق الباز المهمة جداً في أكثر من مجال؟.
لقد عرف العالم في فترات مختلفة من تاريخه أشكالاً من الصراع على الموارد. في ظل الزيادة الهائلة في عدد السكان وبمناطق عدة من أرجائه، وفي ظل شح الموارد المتوقع مستقبلاً في الطاقة والماء والأرض الصالحة للزراعة.
وفي ظل أشكال التقاتل الحادثة الآن على هذه الموارد وبالصورة التي نشهدها، يظل سؤال يطرح نفسه وبإلحاح، هل يتوقع أن تستمع القوى العالمية التي تسعى للسيطرة على هذه الموارد لصوت العقل ونستفيد جميعا- من تجنيب العالم مزيداً من الدمار الذي يحصل وفي مناطق شاسعة منه- من تجربة إسلامية رائدة حيث (الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار). أم أن هذا يدخل ضمن المنطقة الصعبة في أوساط تنصت لصوت القوة وحدها، وقوى عدة فيها تقود العالم برمته إلى حافة الهاوية.
الفاتح كامل
كاتب سوداني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى