دراسة تحليلية: الرومانسية الغربية بضاعتنا التي ردت إلينا
كتب ـ دكتور الفاتح كامل
في ليلة حظيت بجمهور نوعي، تحدث الدكتور المصري محمود صبحي، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة الملك خالد السعودية، حديث العارف الخبير عن الطبيعة في الشعر العربي والشعر الغربي مركزا على الشعر الإنجليزي، ومعرفا بوحدة الموضوع التي تميز الشعر الغربي عن غيره، تحدث دكتور محمود باستفاضة عن وحدة الموضوع التي تميز بها الشعر الغربي وخصوصا الشعر الإنجليزي بينما تميز الشعر العربي بتعدد الموضوعات فقد نجد في القصيدة العربية الواحدة الفخر والغزل والمدح إلى آخره…
والوحدة الموضوعية أثيرت في المجال الأدبي العربي منذ فترة طويلة “الوحدة الموضوعية مجال من مجالات الكتابة في اللغة العربية، تتبع الشعر والنثر، وقد تختص بالخطابة، وغيرها من مواضيع اللغة بشكل عام، وتعد الوحدة الموضوعية، جزءا من كل وهي الوحدة العضوية، والتي تعد الوحدة الموضوعية جزء أو جانب من جوانبها.
إذن نستنتج مما سبق، فالأمر في ما يخص الوحدة الموضوعية، أنها إبقاء العمل سواء كان فنيا أو شعرا، أو قصائد مقتصرا على موضوع واحد، أو يدور حول فكرة معينة.
مما سبق يتضح عند الحديث عن الوحدات الموضوعية، أنه حديث حول رثاء، مدح، غزل، حبا، هجاء، أي كان مجال أو لون الحديث، يكون واحدا، وهو أمر ما كان في السابق متوفرا في شعراء الزمن الماضي، وأيضا مع مراعاة مقتضى القصيدة أو النثر، أو مجال الكتابة”.
ومن اثراء موضوع الشعر التعريف به وبخصائصه “فالشعر Poésie، Poetry هو أحد أشكال فن القول، إلى جانب النثر والمسرح. ولا يمكن وضع تعريف جامع مانع له، لأنه يختلف باختلاف الحضارات واللغات والمراحل، بل وحتى بين شاعر وآخر أحيانا في المرحلة عينها، إلا أنه بصورة عامة تاريخيا قول منظوم بليغ يدل على معنى، ولعل تعريف كولردج S. T. Coleridge، الذي أخذه عن جوناثان سويفت J. Swift في سياق حديثه عن الأسلوب في الكتابة، هو الأبلغ حين قال «النثر هو الكلمات في أفضل ترتيب والشعر هو أفضل الكلمات في أفضل ترتيب». أما التزام القافية فيرتبط ببعض الشعر. والشعر هو أقدم الآثار الأدبية في جميع الحضارات لارتباطه بالشعائر الدينية، وعنه تفرع النثر الفني، وهو حسب الناقد الإنكليزي رتشاردز I. A. Richards «أكمل وسيلة للخطاب». ويعيد كثير في الغرب اصطلاح «شعر» إلى اللغة الإغريقية، من كلمة Poiesis = صنعة إبداع. أما في الحضارات الشرقية فتختلف المصادر والاشتقاقات، فمصدره عند العرب مثلا فعل شعرا، وهم يعدونه صنعة، كما الإغريق والهنود والصينيين القدامى. وشعر هوميروس Homeros كان ينشد قبل أن يدون في أي كتاب، وكذلك الأمر في الحضارات الأخرى. ويعد كتاب أرسطو «فن الشعر» Peri poietikes أول كتاب في نظرية الشعر وأنواعه، وسار على منواله كثير حتى اليوم في مختلف اللغات.
يتميز الشعر شكلا ببنيته الإيقاعية الناشئة من تقسيم دقيق لوحدات مقيسة، لا تتطابق مبدئيا مع تقسيمه إلى وحدات نحوية، في حين ينقسم النثر إلى مقاطع وجمل وفقرات. كما يتميز الخطاب الشعري بالعبارة الشعرية poetic diction أو بنية اللغة الشعرية، التي كانت تعني قديما انتقاء الكلمات وتنسيقها لتكون لغة رفيعة لفن سام. وهذا الفهم يخرج من دائرة الشعر أشكالا حديثة صارت شائعة، مثل الشعر الحر free verse وقصيدة النثر poème en prose. كما أن دلالة المصطلح لا تشمل الشعر كله بمفهومه المعاصر، لأن الشعر سيحد نفسه تاريخيا وأسلوبيا، ولن يوجد في لغته إلا تقاليد محددة حكمت استعمال اللغة في الأدب، أي منظومة خاصة من أدوات التعبير مغلقة على نفسها. وظل هذا الفهم للشعر قائما حتى نهاية عصر النهضة الأوربية، وحتى بداية عصر النهضة العربية.
في أصول الرومانسية العربية والغربية
تحمل كلمة «الحب» ما تحمل من أسرار، وتجلب ما تجلب من أفراح وأتراح، فما أن يصاب الإنسان بالحب، إلا وتتغير حاله، وتتبدل شئونه؛ فالحب يفعل ما يفعل في الإنسان لما له من أسرار وأعراض، والإمام «أبو محمد ابن حزم» في رائعته «طوق الحمامة» يغوص في بحار هذا السر الذي خلق مع الإنسان، فيخرج لنا أصوله، ويعرفنا على أعراضه ونواحيه، وصفاته المحمودة والمذمومة، وكذلك الآفات التي تدخل على الحب وتلازمه، موردا بين ثنايا كتابه بعض القصص التي عاينها بنفسه عن الحب وأبطاله، ثم يختم رسالته الغنية هذه بأفضل ختاما؛ وهو: قبح المعصية، وفضل التعفف؛ ليكون قد أحاط بالحب من كل جوانبه.
في مقال كتبه مؤخرا الكاتب مؤنس بخاري عن أصول الرومانسية الغربية، هذه الأصول التي استندت عليها في عنوان هذا المقال، يقول بخاري: “كثيرا ما يقال إن الرومانسية الأوروبية قد استندت على الأدب العربي حتى تكونت وتطورت. لكن، يندر الحديث في حيثيات هذا التطور والتكوين، فهات إصبعك أضعها عنك على البداية الحقيقية للأدب الرومانسي الأوروبي.
{طوق الحمامة في الألفة والألاف} كتاب عربي من القرن الحادي عشر، يعد بمنزلة الكتاب المقدس للرومانسية الأوروبية. ترجم إلى اللاتينية في القرن الثالث عشر تحت عنوان De amore libri tres مع إغفال اسم المؤلف الأصلي. الكتاب كان مؤثرا في أوروبا خلال العصور الوسطى، حتى شاع على نطاق واسع بين الفلاسفة، واللاهوتيين، والكتاب، وكان له تأثير كبير على الأدب الرومانسي الأوروبي، بل هو سبب نشأته.
بعد ترجمة {طوق الحمامة}، استبدل اسم المؤلف بكلمة“ الموهاميتانس ”Al- Mohammetanus (أي المحمدي)، نتيجة للتحيزات الدينية في ذلك العصر. ثم، اكتشفت الترجمة اللاتينية الأصلية سنة 1606 في المكتبة البابوية، ورغم الاعتراف بابن حزم كمؤلف، استمر انتشار الاسم المزور. إلى أن تم العثور على النسخة العربية الأصلية في المملكة المغربية سنة 1931، وجرى ترميمها ونشرها. وخرجت أول ترجمة مباشرة عن العربية إلى الإنكليزية سنة 1951.
{طوق الحمامة} هو دليل حي على تأثير الحضارة العربية على الثقافة الأوروبية، وكيف أثرت بشكل ملموس على حركة الرومانسية في أوروبا، بتقديم لغة وأسلوب جديدين للتعبير عن الحب والعاطفة. وقصة ابن حزم و” طوق الحمامة “تعد تذكيرا قويا بأن التأثير الحضاري العربي على أوروبا والعالم مغبون مجهول ومنكر. ولهذا الرجل الحق علينا بالافتخار بأثره العظيم على الفكر الرومانسي كله”.
في اتجاه ذي صلة تحدث الدكتور السوداني السيد محمد، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة الملك خالد، عن نشأة المسرح في العالم ولماذا تأخرت نشأته في المنطقة العربية، مستعرض مختلف مدارسه مركزا على مسرحية أهل الكهف للكاتب توفيق الحكيم وليالي كليوباترا لأمير الشعراء أحمد شوقي، ثم وقوفه المستفيض على مسرح الشاعر الإنجليزي الكبير وليم شكسبير على وجه الخصوص والغربي على وجه العموم.
فمسرحية أهل الكهف ذات الأبعاد الدينية، مسرحية لتوفيق الحكيم ومن أشهر مسرحياته، نشرت عام 1933 وهي من إخراج الفنان زكي طليمات. طبعت المسرحية مرتين في عامها الأول كما ترجمت إلى الفرنسية والإيطالية والإنجليزية.
يدور محور المسرحية حول صراع الإنسان مع الزمن المتمثل في ثلاث من البشر يبعثون إلى الحياة بعد نوم يستغرق أكثر من ثلاثة قرون ليجدوا أنفسهم في زمن غير الزمن الذي عاشوا فيه من قبل. وكانت لكل منهم علاقات وصلات اجتماعية تربطهم بالناس والحياة، تلك العلاقات والصلات التي كان كل منهم يرى فيها معنى حياته وجوهرها. وعندما يستيقظون مرة أخرى يسعى كل منهم ليعيش ويجرد هذه العلاقة الحياتية، لكنهم سرعان ما يدركون بأن هذه العلاقات قد انقضت بمضي الزمن؛ الأمر الذي يحملهم على الإحساس بالوحدة والغربة في عالم جديد لم يعد عالمهم القديم وبالتالي يفرون سريعا إلى كهفهم مؤثرين موتهم على حياتهم.
والحديث عن مسرح توفيق الحكيم يقودنا لمذهبه في المسرح الذهني، ولا نقف أكثر من ذلك عند ما سميناه ﺑ «مسرح الحياة» لتوفيق الحكيم، لكي نشرع في دراسة ما سماه هو نفسه ﺑ «المسرح الذهني»، واعتز به، ورأى فيه أصالته وميدان ابتكاره، وعلى الرغم من أن توفيق الحكيم قد ابتدأ هذا النوع من المسرحيات بمسرحية «أهل الكهف» التي يقول في كتابه «زهرة العمر» إنه قد ابتدأ في كتابتها منذ إقامته في الإسكندرية وكيلا للنائب العام في المحاكم المختلطة، أي قبل سنة ١٩٢٩، وإن لم تنشر إلا في سنة ١٩٣٣؛ فإنه مع ذلك لم يبسط نظرته عن المسرح الذهني إلا في المقدمة التي كتبها سنة ١٩٤٢ لمسرحية بجماليون، وهي مقدمة لها أهميتها في تحديد مفهوم هذا النوع من المسرحيات عند الحكيم “.
أما مسرحية مصرع كليوباترا فتعد من أجمل المسرحيات التي كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي وهي مسرحية شعرية تدور حول الأيام الأخيرة في حياة الملكة كليوبترا في الإسكندرية وموقعة أكتيوم البحرية. وعلى الرغم من اختلاف نظرة المؤرخين حول شخصية الملكة كليوبترا آخر من حكم مصر من البطالمة إلا أن أحمد شوقي وضع رؤية خاصة لحياتها؛ فنرى التاريخ يرسمها بصورة ملكة مصرية غلبتها محن الدهر أو ملكة لاهية لاهثة وراء الهوى لم تأبه لدولتها ولا شعبها، فحينا نجده يرفعها ويمجدها ويبرؤها، وحينا آخر ينزل عليها لعناته وإنها امرأة عرفت بالجمال الفتان اعتلت العرش واستخدمت جمالها في الوصول لما تريد وضجت حياتها بالكثير من مواقع حربية وأساطيل بحرية وعشق وغرام وهروب وأخيرا انتحار.
أما عن مسرح شكسبير فيطيب لي الوقوف عند مسرحيته ” عطيل”، لأن بعدها الأفريقي أعطاها نكهة خاصة في بُعد كتابتها والذي يجيء من شخصية المستعمر والتي من المفترض أنها تنظر من عل للشخصية الأفريقية :
“عُطيل (بالإنجليزية: Othello) هي مسرحية تراجيدية مؤلفة من خمسة فصول للكاتب الإنكليزي شكسبير. تتحدث المسرحية عن مواضيع متعددة، وتركز بشكل أهم عن الصراع بين الخير المتمثل بشخصية عُطيل، والشر متمثلاً بشخصية ياغو، إضافة إلى مواضيع أخرى مثل الغيرة والخيانة وغيرها، وقد نقلها إلى اللغة العربية الشاعر خليل مطران.
يُعتقد أن هذه المسرحية كتبت في سنة 1603م وبأنها مستوحاة من قصة قمر الزمان ومعشوقته في حكايات ألف ليلة وليلة. نشرت هذه المسرحية لأول مرة في عام 1565م.
تدور أحداث المسرحية في البداية في مدينة البندقية الإيطالية حيث تدور مواجهة بحرية مع الأسطول التركي في الجهة الشرقية من البحر الأبيض المتوسط قرب جزيرة قبرص، فيتم الاستنجاد بالقائد الفذ عُطيل ذي الخبرة العسكرية لإنهاء هذا التوتر، يقوم عُطيل بالتجهز والسفر مع جيشه لتنتقل أحداث المسرحية إلى جزيرة قبرص.
ركز شكسبير في هذه المسرحية على الأحداث الدرامية، حيث نرى تغيرا واضحا في شخصية عُطيل بسبب الإشاعات الصادرة من ياغو حامل الراية تدفعه للجنون والبحث عن حل لمواجهة والتحقق مما سمع.
تقدم شخصية عُطيل بنحو إيجابي على الرغم من اختلاف عرقه عن سكان المنطقة التي تحدث فيها مجريات المسرحية. يعتبر هذا التجسيد للشخصية كأمر غير مألوف في الأدب الانكليزي في زمن الكاتب المسرحي وليم شكسبير حيث جرت العادة على تمثيل الشعوب غير الأوروبية كشعوب ذات مستوى أقل.
في نهاية هذه الأمسية الماتعة ثم تدخلات حاولت بها إكمال بعض المشاهد، حيث كان لا بد منها ..
تثمين الشراكة المجتمعية التي تقوم بها جامعة الملك خالد مع مقهى هيفان الشريك الأدبي مع هيئة الأدب والنشر والترجمة بوزارة الثقافة، بإقامة هذه الليالي التنويرية التثقيفية والتي تستفيد منها قطاعات واسعة بمحايل عسير هذه المدينة الخلابة الرائعة والتي عقدت حلفا دائما مع الجمال الأخاذ..
وثمة إشارات لا بد منها حول الرومانسية في الشعر السوداني، هذا الشعر الرصين والذي لا بد من أن يوضع في مكانه المناسب بخارطة الشعر العربي المعاصر
فكيف يمكن تجاوز رائعة شاعرنا الكبير الحسين الحسن، حبيبة عمري
صنعت له من فؤادي المهاد
ووسدته كبدي المنفطر
ومن نور عيني نسجت الدثار
ووشيته بنفيس الدرر
ومن حوله كمْ شبكت الضلوع
ونام غريرا شديد الخفر
فما همسته لأذن النسيم
ولا وشوشته لضوء القمر
وقد كنت أعلم أن العيون
تقول الكثير المثير الخطر
وكيف لنا أن ننسى أحد كبار عباقرة الرومانسية العربية، والشاعر الفذ إدريس جماع أعني
هين تستخفه بسمة الطفل
قوي يصارع الأجيالا
حاسر الرأس عند كل جمال
مستشف من كل شيء جمالا
ماجن حطم القيود وصوفي
قضى العمر نشوة وابتهالا
خلقت طينة الأسى وغشتها
نار وجد فأصبحت صلصالا
ثم صاح القضاء كونى فكانت
طينة البؤس شاعر مثالا
ثم هل يمكن نسيان، أغدا ألقاك رائعة الشاعر المبدع الهادي آدم
أغدا ألقاك يا خوف فؤادي من غدى
يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد
آه كمْ أخشى غدي هذا وارجوه اقترابا
كنت استدنيه لكن هبته لما أهابا
واهلت فرحة القرب به حين استجابا
هكذا احتمل العمر نعيما وعذابا
مهجة حرى وقلب مسه الشوق فذابا
ما يمكن قوله باختصار في هذا المقام، لدينا نكهة سودانية خاصة بنا في الشعر العربي على وجه العموم وشعر الرومانسية على وجه الخصوص، نكهة نستمدها من هذا العمق العربي بقيمة مضافة من هذا البعد الأفريقي الذي يأتي على ايقاعات “الكمبلا” ورقصات جبال النوبة، ورقصات المردوم في غرب السودان وعرضة الدلوكة والرقص النوبي في حلفا بشمال السودان، حيث تنسمت البشرية أنفاسها الأولى. ومصادر قوتنا الحضارية، لها امتداداتها الراسخة في حضارة عظيمة عرفها وادي النيل الخالد من المنبع في الجنوب حتى المصب شمال الوادي.
رئيس تحرير مجلة النخبة الرائدة