وسام عبدالمجيد: لعنة جبل عامر في السودان وأزمة الدولار
أمير أبورفاعي
قالت الباحثة، وسام عبدالمجيد، تطالعنا أحداث من جنوب مصر ومن على مسافات متقاربة من دول الجوار حيث شمال السودان شجعت الحكومة على إستخراج الذهب كمورد بديل للدولار وحل أولى لإنقاذ السودان وبعد إنفصال الشمال عن الجنوب وتراجع صادرات النفط بنسبة تتجاوز ال60% وتدهور الأحوال الاقتصادية فى السودان وخطر الفقر الذي ضرب أركان المجتمع بنسبة تخطت ال45%، بدأت رحلات البحث عن المال والثراء نحو أهم مناطق إكتشاف معدن الذهب وهى (وادى حلفا إلى عطبرة وولاية النيل الأزرق وولاية شمال ووجنوب دارفور وجنوب كردفان)، توافدت الأفراد والشركات من داخل السودان ومن خارجها إلى هذه المناطق والتى أثرت على السودان في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من عدة نواحي منها، ترك أصحاب أعمال الحرف والمهن أشغالهم و أعمالهم وبحثوا عن العمل فى مجال التنقيب عن المعادن مما أحدث خلل جزئي وفراغ فى بعض المهن، زادت الأعداد المشتغلة بهذا القطاع حتى وصلت 2020 عام إلى 5 مليون عامل ضم هذا القطاع جميع الفئات العمرية، إنتشارالشركات الأجنبية والجماعات الباحثة عن المعادن وتهريب الالاف من أجهزة إكتشاف المعادن وطواحين الذهب.
وأضافت وسام عبدالمجيد، منذ الساعات الأولى من عزل البشير 2020,2019 توالت الأحداث أكثر فاعلية وديناميكة وكأننا أمام سيناريو مكتوب لأحداث فيلم مأساوي من واقع أُمة مكلومة، فزادت الأوضاع سوءاً نتجية الموقف الغاضب والمتأزم فى الشارع السوداني، ليصبح شعار الأوضاع الصراع حول السلطة ولعنة الثروات، فنجد أنه
بدأ التناحر صوب قطاع التعدين حول المعدن الأصفر، وبالتزامن مع إكتشاف ماعرف بجبل عامر فى شمال إقليم دار فور وشب النزاع بين الجنجويد من فريق حميدتي وبين القوات المسلحة و بدأ ينحدر مؤشر الأمل فى أن الأوضاع تتحسن، حتى إنقسمت السودان إلى جهتين إحدهما جهة بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، والجهة الثانية بقيادة اللواء محمد حمدان دقلو وشهرته (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، هذه القوات التى كونها البشير لتكون حماية له.
وأردفت وسام عبدالمجيد، أجريت مباحثات واجتماعات مع القبائل والأطراف المتنازعة وقُدمت مبادرات عدة كان منها إتفاق (جده) وبين تسليم السلطة والحكم المدني أو حكومة إنتقالية كانت هناك أحداث كثيرة لكن المساعي جاءت مخيبة للآمال، لنجد أننا أمام
الصراع على الذهب وجبل عامر بإقليم دار فور، حيث هاجمت قوات الدعم السريع (ميلشيات الجنجويد ) شركة السودان الحكومية لتعدين واستولت على أكثر من 4 طن من الذهب الخالص، لم يكتفي حميدتي بما سرقه من ثروات بل قام بمهاجمة جبل عامر بدار فور، هذا الأقليم الذى تقترب مساحتة من دولة فرنسا أو دولة العراق، هو نموذج لتعدد والتنوع الثقافى لما له من ثقل تاريخي وجغرافي، هذه المنطقة على الوجه الاخص عانت من التهميش، يشتغل أهلها بالزراعة وتمتزج أصولهم ما بين قبائل الحجاز وبين الأصول الأفريقية وتمتد إلى مصر ، وقد تصاعد النزاع إلى حرب شوارع وعصابات وهى الأشد ضراوة بالبلاد، حتى قتل رؤساء القبائل وخطفهم و أغتصبت النساء وقتل شباب قبيلة بنى حسين والرزيقات وبطونها من المحاميد والماهرية والمساليط أوالمساليت والنوابية.
حاول أبناء جبل عامر الدفاع عن أنفسهم , وهم لا يعرفون لماذا يقتلون والبعض منهم لا يعرف أن بيته على أنقى بقعة ذهب ربما فى العالم , لكن القتال غير متكافئ تماماً , حُسم النزاع لصالح ميلشيات حمدتي المدربة والتى تملك أسلحة نوعية ,ولم يبقى أمام قاطني جبل عامرالا الفرار إلى صحراء دارفور بعد أن فقدوا أغلب ذويهم وغُدر بهم وتم تهجيرهم قسراً من بيوتهم ظلماً وعدواناً ,ونجد أن الذهب اخذ مرحلة ثانية من الصراع وكان سبب لإراقة الدماء.
لنجد أنفسنا أمام سؤال غاية في الأهمية، من يقف وراء تهريب ذهب السودان؟!، ولعلنا نسأل لماذا لم يتقاسم الجنجويد مع قبائل جبل عامر هذه الثروات ومن يقف وراء تهريب ذهب السودان؟، لم يتقاسم الجنجويد الذهب مع قاطنى جبل وغيرهم لأن تأجيج الصراع كان الهدف منه نزوح أهل السودان إلى الحدود المصرية وإرباك المشهد الاقتصادي والضغط على مصر.
لنعود مرة أخرى أمام ذات السؤال،من يقف وراء تهريب ذهب السودان؟!، لنجد أنه قد صرح رئيس شعبة الذهب فى الغرفة التجارية السودانية أن أكثر من 70% من الذهب يُهرب برعاية دولة الإمارات، كما أستعرض مندوب السودان لدي الأمم المتحدة فى كلمته عن من المسؤل عن فوضى السودان , ووجه الإتهام مباشرة إلى قوات الدعم السريع و دولة الإمارات ووصفهم بمجرمي الحرب وتعهد بتقديم الوثائق والبراهين وتقديمهم إلى محكمة العدل الدولية، وقبلها رصدت الوكالات الأجنبية فى السودان قوات (فاغنر) الروسية لإتمام صفقات ونقل أطنان الذهب عبر مطار (مروى) وأقامت فاغنر شركة(مروى جولد)، حتى تكون مظلة شرعية لها وهكذا فعلت أغلب القوى الأجنبية، هناك بعض الشركات المملوكة لرجال أعمال منهم رجل الأعمال ساويرس وشركته ( لامانشا ريسورسز) والذى قام ببيع مايقدر بنسبة 44% إلى الحكومة السودانية نفسها، إضافة إلى شركة (الجنيدى) التابعة (لحميدتي)وأخيه (عبد الرحيم) وسيطر الجنجويد على مساحات من أودية الذهب إضافة إلى شركات من القطاع الخاص تتبع أعضاء حزب المؤتمر وغيرهم.
وهذا يدفعنا لسؤال أخطر، كيف أثر الذهب السوداني على الوضع الاقتصاد المصري؟!، فنجد أنه
كما تم تهريب الذهب عبر عصابات إلى الحدود المصرية وهذا ما صرح به العديد من المسؤلين فى السودان، وهنا نتوقع لماذا تم تقيض الذهب بالدولا ونقص المعروض من العملة الصعبة على الرغم من إجراءات البنك المركزى ووزير المالية لوقف الإستيراد للحد من الطلب على الدولار، وربما إنتقلت ظاهرة مبادلة الدولار بالذهب من السودان إلى مصر ومع زيادة إرتفاع معدل التضخم واتساع السوق السوداء فى الذهب المهرب والعملة المهربة أيضاً، هذه الاسواق كانت سبب فى إرتفاع الطلب على الدولار بصورة غير متوازنة وما ذكرته هو سبب من حزمة أسباب الحقت الضرر بالسوق المصرى.
وهذا يقودنا إلى محاولة فهم السودان إلى أين؟!، فمن خلال قراءات طالعتها وأبحاث وتقارير ونسب متأرجحة ومن خلال الإطلاع على مبررات القوى السياسية، نجد أن السودان أتاحت فرصة التنقيب لحل أزمة الدولار وسمحت بدخول الشركات الأجنية والتى تجاوزت ال300 شركة، ووفد إليها أكثر من 100000 أجنبي من جنسيات مختلفة، وبالرغم من تواجد العملة الصعبة تزايد التضخم، والمجتمع يعيش حالة من الفقر وإقليم دار فور يملك أراضي صالحة لزراعة تتجاوز ال120 مليون فدان و70 الف فدان لرعي لكن لم يتم تأهيل ذلك المشروع حت تظل دارفور فقيرة، ومع تصعيد القتال ونزوح 2.5 مليون فرد من السودان و غيرها من دول الجوار، ماتم تهريبه فى السنوات الماضية ربما تجاوز ال100 طن من الذهب هذه الأموال لم تعود على السودان ولم تُخرج السودان من كبوتها ولم تنهى الصراع، الهيمنة على الثروات كانت على حساب أمن واستقرار وسلامة المواطن السوداني ،والتعدى على قتل النفس التى حرمها الله، إن الذهب يحمل لعنات الدماء، فهى أموال مسمومة سوف تلحق بكل من أجج الصراع ومن سرقها.