تنميه ثقافيه

احتفائية الوعي بفيلم “ناقة” السعودي

كتب ـ د. الفاتح كامل

أنتم أهل اللغة ، أنتم أصل اللغة، وأساطينها، وأهل الفضل.. يكفي أنه أختصكم رب الكون، بلسان عربي مُبين، ورسالته الخاتمة.
بين كل هذه الوجوه النيرة، الألسُن الموغلة في فصاحتها
أحاول سبر، استنطاق بيت القصيد وأقول متمثلا لسان شاعرنا الكبير مصطفى سند
يا صندل الليل المُضاء
أفرد قميص الشوق حين تطل سيدة
النساء
وتناثر الأحد الصبي يهز أعمدة الغناء
لو زندها احتمل الندى لكسوت زندك
ما تشاء
ثوبا من العشب الطري وإبرتين من
العبير وخيط ماء

في ليلة استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معان، اتحفنا مقهى هيفان، الشريك الأدبي للجنة الثقافية بمحايل عسير التي يقودها بفهم واقتدار الإعلامي القدير الأستاذ عبد العلام الفلقي، بليلة مكتملة الاركان، هواء عليل نقي كلل مكان المحتفى به، مخرج ومؤلف فيلم “ناقة”، الشاب السعودي الموهوب والمبدع مشعل الجاسر في اطلالته السينمائية الأولى عبر فيلم روائي طويل. حين انطلق الصوت الواثق لمقدمة الجلسة الحوارية حول هذا الفيلم المهم في مسيرة السينما السعودية التي تتقدم بخطوات حثيثة في هذا العالم المبهر، الأستاذة وفاء القرني المهتمة في مجال الثقافة والوعي بالذات، أي وعي بالذات هذا الذي يمثله هذا الوجه الواثق من نفسه وقدراته ؟. بعدها امتلكت ناصية الندوة والحوار دكتورة مريم الحربي الكاتبة المستنيرة والتي تحمل درجة الماجستير في علم النفس الارشادي، وقتها أنصت هواء المكان قبل حضوره النوعي، وهو يستمع بكل جوانحه لامرأة سعودية مثقفة وواعية وتعرف دقائق ما تتحدث عنه بكل ثقة وتواضع العلماء، أعجبتني وهي تمتلك ناصية الكلم وتدافع بحرارة عن هذا الفيلم الذي تعتبره نقلة في عالم السينما السعودية بجرأة الطرح الذي ساقه هذا المخرج السعودي الشاب.
يبدأ فيلم “ناقة” بـ “فلاش باك” عام 1975م، يقوم فيه رجل شرقي شديد النمطية، باقتحام مستشفى وارتكاب مذبحة، لأن زوجته ولدت طفلته على يد طبيب رجل. بعدها يبدأ الفيلم في تداعي حر حول الحاضر والمستقبل بكل ما يحتويه من جرأة وواقعية واثارة. وينتهي الفيلم بلقطات رومانسية والبنت التي تمردت أثناء مشاهده تعود لحضن والدها، في رمزية عالية قل نظيرها وكذلك في اختيار اسم الفيلم “ناقة” المعبر عن خصائص الصحراء كمكان جمالي ممتلئ بالتعبير عن الهوية، في هذه المنطقة من العالم الزاخرة بالأصالة والحضارة الموغلة في التاريخ والحاضر الزاهر الذي تقوده قيادة حكيمة أشادت بريادتها الدكتورة مريم الحربي في إشارات قوية تستشرف المستقبل الواعد.
في المداخلة التي سمح بها وقت الندوة، تحدثت بإيجاز عن علاقة الأدب بالسينما والعكس ” في السينما العالمية كانت أقوى الأفلام التي انتجتها، مأخوذة من روايات لكتاب كبار، فيلم ” ذهب مع الريح”،
“Gone with the wind”
والذي مثل علامة فارقة في تاريخ السينما الأمريكية وحصل على ثمان من جوائز الأوسكار، هذا الفيلم الذي أبدعت فيه الممثلة الأمريكية فيفان لي بملامحها الأمريكية المتفردة، والذي حكى من خلال قصة رومانسية فظائع الحرب الأهلية الأمريكية، ما كان له أن يجيء بهذا التفرد لولا كاتبة أمريكية مبدعة حملت اسم مارغريت ميتشل.
فيلم “دكتور زيفاجو” والذي فتح أبواب الشهرة على مصرعيها للممثل المصري الكبير عمر الشريف، هذا الوجه العربي الذي استطاع أن يعكس مقدرة إنسان هذه المنطقة المهمة من العالم للوقوف بثقة أمام كاميرات صنعتها آلة السينما الغربية، هذا الفيلم الذي اكتسح دور السينما الأمريكية وقتها لم يكن يحقق هذا النجاح الذي حصده لولا رواية قوية جريئة كتبها الروائي الروسي باسترناك، في هذه الرواية يدافع باسترناك عن قيم فردية محضة، متحررة أمام عالم تحكمت فيه الجماعة وأصبح كل فرد ترساً في آلة الدولة الضخمة. هي حلم ينشده الجميع فيه وفرة ورخاء ووجود لعزف فردى مفقود. في هذه الرواية خرج باسترناك من خندق صمته الذى يلجأ إليه متقياً العواصف، كان اكتساب الإشارات في هذه المرة لأبعاد جديدة، مبشرا بسقوط دولة ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، أحد قطبي العالم والقوة العظمى الثانية به.
ويمتد أثر الأدب الفرنسي الواقعي، أحد الآداب الحية بالعالم للسينما، فبؤساء فيكتور هوجو وأحدب نوتردامه شكلت علامات فارقة في تاريخ السينما الفرنسية، وكذلك فعل اليكس هيلي بجذوره ” ” ROOTS
والذي حفر اسمه بحروف من ذهب في أحد أهم معاقل السينما بالعالم والولايات المتحدة الأمريكية أعني.
وكذلك في عالمنا العربي فعل الحائز على جائزة نوبل للآداب الروائي الكبير نجيب محفوظ ما لم يفعله غيره في عالم السينما المصرية بثلاثية خالدة ” السكرية وقصر الشوق وبين القصرين” وكذلك فعلها عبقري الرواية العربية الطيب صالح في فيلم “عرس الزين” وان كنت أتمنى في قرارة نفسي أن تجد روايته الأشهر “موسم الهجرة للشمال” طريقها للسينما العالمية.
أما عن علاقة السينما بالأدب فحدث ولا حرج ” حيث أخذت الرواية الكثير من عالم السينما وخصوصا الرواية الحداثية ، من أساليب الفلاش باك ، واسلوب تقطيع المشاهد وغيره مما عرفتها السينما في أوقات ازدهارها”.
شكرا لكم أهل السعودية الزاخرة بالثقافة والتنوع لهذه السانحة الطيبة ، شكرا للدكتورة الواعية مريم الحربي ولمقدمة الندوة وفاء القرني، اللتين حملتا من مدينة أبها البهية لحضور الندوة الثرية .. ثوبا من العشب الطري ونبراس من العبير وشلال ماء في أرض محايل الندية.

د الفاتح كامل
رئيس تحرير مجلة “النخبة الرائدة”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى