قدرية الشبراوي تكتب.. قوميتنا و ما تبقى من الشرق الأوسط القديم في مواجهة الجيوإستراتيجية الاسرائيلية

قدرية الشبراوي تكتب.. قوميتنا و ما تبقى من الشرق الأوسط القديم في مواجهة الجيوإستراتيجية الاسرائيلية
يطل علينا الشرق الأوسط الجديد بتغيرات إقليمية دراماتيكية واضحة أدت إلى حالة من عدم الإستقرار في المنطقة، فإسرائيل تحاول اعادة رسم الجغرافيا السياسية في المنطقة ففي كل يوم يخسر الشرق الأوسط جزء غالي من أرضه لحساب سلطة الكيان المحتل فكما استولى في لبنان على مزارع شبعا (جنوب شرق) إلى بلدة الناقورة (جنوب غرب) استولى مؤخرا على خمس تلال لبنانية و يرفض الإنسحاب منها فقد احكم قبضته على تلة اللبونة و تلة جل الدير و تلة الحمامصي جبل بلاط وموقع مركبا. و يفخر الإحتلال بأن هذه المواقع تعطيه ميزة تكتيكية لأنها تلال مرتفعة تسمح برؤية شاملة للمناطق الحدودية وتعطي ميزة مراقبة التحركات داخل لبنان بصورة دقيقة بالإضافة إلى الأقمار الصناعية التى ترصد كل كبيرة و صغيرة في الداخل اللبناني. فبذلك تكون إسرائيل قد احتلت شريط حدودي من لبنان بعمق كيلو متر مما يلغي نهائياً أهمية الخط الأزرق وهو الخط الفاصل الذي رسمته الامم المتحده بين لبنان من جهة وإسرائيل وهضبة الجولان المحتلة من الجهة أخرى فى 7 يونيه عام 2000 لضمان الإنسحاب. ولقد أنتهكت إسرائيل المجال الجوي اللبناني في الفترة مابين 2007 إلى 2021 22.000 مرة.
وكما استولى الكيان على هضبة الجولان 1967 في الجنوب السوري استغل الاضطرابات و تناحر الأطياف في الداخل السوري و سيطر على جبل الشيخ و بدأ في بناء قاعدة عسكرية هناك وسيطر على المنطقة العازلة ويحفر فيها أنفاق ، وسيطر على اجزاء كبيرة من القنيطرة ودرعا و وصل إلى عمق حوض اليرموك بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان و يمثل حوض اليرموك شريان مائي رئيسي و هام جدا في سوريا لري الأراضي الزراعية في المنطقة و توفير مياه الشرب للسكان ونهر اليرموك هو أحد روافد نهر الأردن وسيطرت عليه يوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2024. و حسب ما قاله يسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد إن إسرائيل ستبقى على جبل الشيخ لأجل غير مسمى. و يسعى الآن للسيطرة على دمشق حتى يتخذ منها أداه لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى فقد قال رئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست “أن سوريا هي جسرنا للوصول إلى الفرات وسوف نصل إلى العراق وكردستان في المستقبل”.
فالكيان المحتل الآن ينتشر بخطته الجيواستراتيجية والتى يحدد فيها المواقع الجغرافية الحيوية التى يريد السيطرة عليها تمهيدا للسيطرة على مناطق أخرى، فاتساع رقعة الصراع داخل أي دولة وتعدد أطرافها مهما كانت قوة جيشها يجعل الفرصة سانحة أمام الكيان للإنتشار السريع في الشرق الأوسط بخلاف أيضا التدخلات الدولية في المنطقة.
فالصراع الطائفي و العرقي في كلا من سوريا و لبنان وأيضا فلسطين كان الثغرة التي دخل منها الشيطان فمزق لحمة الوطن الواحد بحيث يصعب بل من المستحيل لم شملها مرة أخرى فها هي سوريا الشقيقة انقسمت ما بين أكراد في الشمال مواليين للولايات المتحدة و دروز في الجنوب يطالبون بالإنضمام إلى إسرائيل ، و إسرائيل تنتهز الفرصة للتوسع تحت غطاء حماية الأقليات لدرجة أنها هددت دمشق بالتدخل عسكريا لحماية الدروز . ويكون حماية الطائفة الدرزية بداية التقسيم الداخلي وهذا سوف يؤدي إلى تفكيك سوريا كلياً، وهناك أيضا العلويين الذين يطالبون بالحماية الروسية و يؤكد ذلك لجوء جزء كبير من الطائفة العلوية إلى قاعدة حميميم الروسية طالبين الحماية هاربين من القوات السورية بعد المجازر الدامية التي حدثت أول أمس في الساحل السوري. فقد تعددت الرايات في سوريا وأدى الشقاق إلى فتح شهية الكيان على التوغل أكثر وأكثر في أراض الشرق الأوسط. و في ظل تدهور الحالة الأمنية في سوريا من الممكن ان تفرض القوى الدولية حماية على سوريا خصوصا بعد طلب الولايات المتحدة و روسيا عقد جلسات استماع سرية في مجلس الأمن لبحث أحداث و تداعيات مجزرة الساحل السوري. و من المؤسف أن أصبح الكيان المحتل له كلمة مسموعة عن سوريا لدى الولايات المتحدة فإذا بالكيان يطالب بتحويل جمهورية سوريا إلى كونفيدرالية مما يعني أن كل مقاطعة يكون لها حكمها الذاتي المنفصل عن مركزية الدولة أي تقسم سوريا إلى دول منفصلة كل دوله ذات سيادة مستقلة ولكن تسمى كونفيدرالية لأن تلك الدول تنسق سياسات في عدد من المجالات معاً. وبذلك يتحقق مخطط سيكس بيكو 2 في سوريا كاملا و يقسم المقسم. ويكون مبدأ فرق تسد قد تحقق على أرض الواقع. فهل ما حدث في سوريا أشبع شهية الكيان و اكتفى أم مايزال يخطط ويفكر في إلتهام المزيد من أراض الشرق الأوسط؟
مما لا يترك مجال للشك أن القوة الرادعة المصرية بقيادتها الحكيمة أدت إلى إفشال مخطط تنفيذ سايكس بيكو 2 في مصر حتى الآن. فقوة مصر خذلت أحلامهم و لكن من المؤكد أنهم سيعاودون الكرة مرات ومرات لمحاولة تنفيذ ما يريدون، فحذاري يا مصري من أيدولوجية التعصب الطائفي و الديني ، حذاري يا مصري من نار هذه الفتنة التى تزرع الضغينة بين مسلمي ومسيحي الوطن لأنهم سوف يلجأون للوقيعة بين شقي اللحمة الوطنية حتى يفتوا عضد الدولة و ينهشونها بسهولة. و لايسعني هنا إلا أن أتذكر قول البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية عندما قال ” وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن”
و اقتداءاً بمقولة أستاذ الجيل وأبو الليبرالية المصرية الوزير أحمد لطفي السيد عندما قال ” الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية” فاختلاف الديانات أيضا لا يفسد للود قضية فالدين لله و الوطن يسع الجميع.
حفظ الله حكماء هذا الوطن الغالي قيادة وشعبا.