مقالات

قدرية الشبراوي تكتب.. ريفيرا ترامب لا تناسب شرق أوسطنا 

 

قدرية الشبراوي تكتب.. ريفيرا ترامب لا تناسب شرق أوسطنا

بدعوى أن قطاع غزة لم يعد صالحا للعيش وبدون أدنى سند قانوني يؤكد الرئيس ترامب على رغبته في تحويل غزة إلى ملكية أمريكية طويلة الأمد و تحويلها إلى ريفيرا الشرق الأوسط بعد تهجير الفلسطينيين منها.

الرئيس ترامب يريد أن يترجم أحلام كوشنر زوج ابنته إيفانكا على أرض الواقع. فقد قال كوشنر العام الماضي “أن قطاع غزة واجهه عقارية قيمة”

و لكن عذرا سيادة الرئيس ترامب فكل مقترحاتك وأفكارك بشأن قطاع غزة لا تناسب شرق أوسطنا سواء بخصوص انشاء منتجعات أمريكية في غزة أو توسيع مساحة الأرض للكيان المحتل على حساب قطاع غزة والضفة الغربية أو بخصوص تهجير أشقائنا الفلسطينيين قسرياً . فجميعها مقترحات غير عملية بالمرة و مثال فاضح لازدواجية المعايير الفجة و الغير مقبولة . فكيف تتعهد في حملتك الانتخابية بإعادة الإستثمارات الأمريكية إلى مواطنيهاو في نفس الوقت تخطط لإقامة استثمارات أمريكية في بقعة صراع طويل الأمد لا يخلو من عمليات انتحارية لتحرير أرض فلسطين، انه حقا لشئ عجيب ان تستثمر تحت أقدام أصحاب قضية لم ولن ينفكوا عن الدفاع عنها بكل غال ونفيس ومهما كانت التضحيات . و أيضا تعطي أبرز الأمثلة في إزدواجية المعايير عندما تأمر بإخلاء الولايات المتحدة من المهاجرين الغير شرعيين نظرا لرغبتك في تنفيذ خطة إصلاح اقتصادي فوري للولايات المتحدة حتى تتمكن من إعادة أمريكا عظيمة مرة أخرى في حين أنك برغبتك في تهجير الفلسطينيين تثقل عاتق الدولة المصرية و الأردنية بمسؤلية عدد كبير من المهاجرين و نحن بلاد نامية تكافح من أجل حياة أفضل لمواطنيها. ولكن لا يخفى على أحد أن التهجير خط احمر بالنسبة لمصر والأردن لأنه يطيح بحل الدولتين وهو الحل الذي لا يميل إليه رئيس الولايات المتحدة و تقريبا كل من عينهم في إدارته. ألم تدرك بعد أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو الأردن ليس مجرد قضية إنسانية بل هو تهديد للأمن القومي المصري و الأردني ويشكل تهديد سياسي واستراتيجي للبلدين. ويعصف بالمنطقة كلها . أما أخبروك أن موجات اللجوء للأردن بعد نكبة 1948 و نكسة 1967 أثرت تأثيرا سلبيا على مسار حل الدولتين وعرقلت مساع السلام في المنطقة لعقود طويلة. فتهجير الأشقاء الفلسطينيين جريمة و خيانة عظمى لأنه ليس فقط يضر بمصلحة الفلسطينيين بل يهدم أي أمل في إعادة بناء الدولة الفلسطينية و التي كانت تعج بالحياة مثل دولتكم و لكن صاحبها الموت الذي لا يتوقف منذ أن وطئت قدم المحتل أرضها الطاهرة.

فهذا المقترح يكرر سيناريو انتهاك إسرائيل للجنوب اللبناني فلا يخفى على أحد انه بذريعة القضاء على فلول حزب الله هناك استباحت إسرائيل الأراض اللبنانية و في مصر والأردن ستكون الذريعة القضاء على فلول حماس بإدعاء أنهم بالطبع يهددون أمن إسرائيل. فمن وقف في وجه إسرائيل يوم 26 يناير الإسبوع الماضي عندما فتحت النار على أبناء الجنوب اللبناني الذين قرروا العودة إلى بيوتهم. ووفقا لمراسل” بترا” في بيروت، أن الجيش اللبناني دخل مع المواطنين الذين قرروا نصب خيام أمام منازلهم و المبيت فيها وعدم ترك بلداتهم و إذا بقوة إسرائيلية معززة بدبابة ميركافا تقدمت نحو أهالي ميس الجبل وفتحت النار عليهم بكثافة و كان ضحية هذا الإعتداء حسب وزارة الصحة اللبنانية 22 شهيد لبناني و 124 مصاب من بينهم أطفال.

فقد تجبرت إسرائيل في الأرض و أسالت الدماء بحورا و أنهارا ليلا و نهارا فلا تكن مؤازرا لها حتى لا يعم العقاب الإلهى و نندم جميعا حيث لا ينفع الندم . فمن يتخيل أن الفلسطينيين سوف يكونون في مأمن من إسرائيل في سيناء أو الأردن فهو واهم لأنها تريد أن تستخدمهم للإستيلاء على سيناء كما هو موضح في خريطة إسرائيل الكبرى المرسومة على زي الجنود الإسرائليين. هذه الخريطة توضح أن سوريا ولبنان والأردن و العراق و مصر حتى وادي النيل جزء من إسرائيل الكبرى.

ولقد تعددت النداءات و التصريحات المحذرة من تداعيات الصراع في الشرق الأوسط. فقد حذر مايكل مليشاتين الخبير في الدراسات الفلسطينية بجامعة تل أبيب من الفرحة العارمة بشأن خطط ترامب للمنطقة قائلا” يمكننا أن نلحق ضررا خطيرا بعلاقاتنا مع الدول العربية التى لدينا معها معاهدات منذ عقود مثل مصر والأردن و أيضا مع دول اتفاقيات إبراهام” و قد حذر أيضا من أن خطط الرئيس ترامب بالنسبة لغزة سوف توأد اتفاقية التطبيع مع السعودية.

وإني أتسائل ألم يصل إدارة الولايات المتحدة الأمريكية المنتخبة صوت مصر كقيادة سياسية و عسكرية وكذلك جموع الشعب المصري مرارا وتكرارا بأن سيناء خط أحمر حتى الآن ! و أن تهجير الفلسطينيين من أرضهم قسرا هو النكبة الثانية ولقد أعلنت مصر رسميا في تصريح شديد اللهجة أكثر من مرة رفضها التام لمقترح الرئيس ترامب بخصوص التهجير وكذلك صرحت الأردن وجامعة الدول العربية والكثير من دول العالم فرفضت الخارجية الألمانية اقتراح الرئيس ترامب لترحيل سكان عزة إلى الأردن أو إلى مصر أو أي دولة عربية وجاء التصريح كالتالي ” أن برلين تتفق مع وجهة نظر الإتحاد الأوروبي و شركاؤنا العرب و الأمم المتحدة .. بأن الشعب الفلسطيني ينبغي ألا يطرد من غزة و أنه ينبغي عدم احتلالها بشكل دائم و لا إعادة لاحتلالها من قبل إسرائيل”

وكذلك أعربت إيطاليا عن رفضها لهذا المقترح كما صرحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني. فتبعات مقترح الرئيس ترامب الإقليمية و الدولية تشكل خطرا كبيرا على العلاقات الدولية بشكل عام. فمقترح الرئيس ترامب يسلب الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير و حقه في إقامة دولة على حدود الرابع من يونيو 1967 و يقضي على حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم.

وجاء الرد المصري ردا استباقيا على هذا المقترح و هو ما عهدناه على الرئيس السيسي، فكل ما أدرك دسيسة أو مؤامرة تحاك ضد وطننا الغالي مصر أجد أن الرئيس السيسي قد أعد العدة و جهز ما استطاع من قوة للذود عن تراب مصر الطاهر.

كان رد الرئيس السيسي استباقيا في القمة العربية الإسلامية الاستثنائية في الرياض في الحادي عشر من نوفمبر 2024 برئاسة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي. فتلك القمة و توصياتها الثمان والثلاثون عبارة عن رد استباقي لكل الضغوط الحالية على مصر و على الدول العربية و الإسلامية، هذه القمة هي إعلان عن التعاون و التضامن العربي الإسلامي المشترك حيث جمعت أعضاء منظمة التعاون الإسلامي و أعضاء جامعة الدول العربية.

فلم ينتظر الرئيس السيسي و القادة العرب و قادة العالم الإسلامي استلام الرئيس المنتخب ترامب لإدارة الولايات المتحدة الأمريكية حتى يتخذ خطوات جديدة أخرى راديكالية مثل التي حدثت في ولايته الأولى و لقد رسمت توصيات قمة الرياض خريطة عمل للمرحلة المقبلة في الشرق الأوسط في ظل فترة حكم الرئيس ترامب الثانية و أن هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها و أن المجتمع الدولي بأسره لابد و أن يتحمل مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني وإلزام إسرائيل بالتوقف الفوري عن التطهير العرقي و الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.

ولقد حدث العجب في هذه القمة ألا وهو اجتماع الغريمين المملكة العربية السعودية و جمهورية إيران. لقد كان أمر مدهش حقا أن غريمي الشرق الأوسط

عقدوا لقاءات و اتفاقات على المستوى السياسي و الاستراتيجي ودعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في هذه القمة الاستثنائية إسرائيل إلى احترام سيادة إيران وعدم الإعتداء على أراضيها و دعا المجتمع الدولي أن يلزم إسرائيل بذلك مع التأكيد على العلاقات الودية بين المملكة وإيران.

وذلك ينبئ بأن توازنات القوى في المنطقة بدأت تأخذ شكلا جديدا و أن الكل بدأ في استراتيجيات برجماتية للحفاظ على مقدراته مع الوضع في الإعتبار أن الوتيرة المتصاعدة للإستفزازات الإسرائلية و التحدي السافر للقانون الدولي و القانون الدولي الإنساني و ميثاق الأمم المتحدة يهدم مصداقية الدول التي تؤازر إسرائيل و يظهرها بمظهر عنصري و يشعل مخاوف توسع الصراع العربي الإسرائيلي و الذي من الممكن أن يمتد ويشمل الإقليم كاملا و الكثير من دول العالم فحل سياسي أفضل من حرب ضروس لا تبقي و لاتذر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى