فولكر تورك: تنظيم خطاب الكراهية على الإنترنت بهدف تجنّب الأذية والضرر ليس برقابة
الصافى عبدالله
قال فولكر تورك مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان، “إنّ تنظيم خطاب الكراهية على الإنترنت، بهدف تجنّب الأذية والضرر، ليس برقابة”
وتابع تورك يجب أن يثير إعلان شركة ميتا عن إصلاح سياساتها بشأن ضبط المحتوى والتدقيق في الحقائق قلقَ كلّ من يهتم بحرية التعبير، ففي حين أنّ هذه الخطوات تدّعي حماية حرية التعبير، إلا أنها تقوّضها في الواقع بالنسبة إلى العديد من الأشخاص والمجتمعات المحلية.
واشار تورك، قد أعلنت شركة ميتا أنها تعيد تعديل معايير ضبط المحتوى، بهدف الحدّ حصراً مما يُعرَف بالإنتهاكات العالية الخطورة، على غرار تلك المتعلقة بالإرهاب، متابعا بأنه من المرجح أن تؤدي هذه الخطوة، إلى جانب السياسات التي تتبناها شركات أخرى، بما في ذلك تيليغرام ومنصّة إكس (المعروفة سابقاً بتويتر)، إلى محتوى أكثر إساءة يغصّ كراهية، ويتفشّى على العديد من أكبر منصات التواصل الإجتماعي في العالم.
وأكد تورك أن بعضُ هذا المحتوى سيستهدف المجتمعاتِ المهمشة، بما في ذلك مجتمع الميم-عين واللاجئون والمهاجرون والأقليات بجميع أنواعها، ما يؤدي بدوره إلى إبعاد تلك المجتمعات المحلية عن هذه المنصات، ويحدّ من ظهورها ويعزلها أكثر ويقوّض حرية التعبير لديها.
وتابع تورك، على نطاق أوسع تؤدي هذه التغييرات إلى إلحاق الضرر بأشخاص ومجموعات محددة، فحرية التعبير لا تتطلب أن يكون الناس قادرين على التعبير عن آرائهم فحسب، بل يجب أن يكونوا قادرين أيضاً على البحث عن الأفكار والمعلومات وإلتماسها وتلقيها، فمنصات التواصل الاجتماعي السيئة التنظيم تحدّ من هذه الحرية بعدة طرق، ومن خلال إسكات بعض الأشخاص والمجتمعات المحلية، فإنها تقيد نطاق المعلومات المتاحة للجميع، ومن خلال السماح بتفشّي الأكاذيب والمعلومات المضللة، فإنها تسمّم بيئة المعلومات، كما أنها تطمس الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال، ما يؤدي إلى تفتيت المجتمعات وتقويض الحيّز العام الذي تشتد الحاجة إليه لعقد نقاش مفتوح قائم على الحقائق والفهم المشترك.
وفي ذات السياق قال تورك إنّ الزيادة الكبيرة في حجم المحتوى غير الخاضع للضبط وخطاب الكراهية الذي سينتج عن هذه التغييرات، ضارة ومؤذية في جميع الأوقات. كما يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة ومدمرة، لا سيما في أوقات النزاعات والأزمات والحملات الإنتخابية، ما يؤثر على مئات الملايين من الناس بغض النظر عما إذا كانوا من مستخدمي هذه المنصات أم لا، مشيرا لقد عدتُ للتو من سوريا حيث رأيتُ كيف يؤدي التضليل الإنتقامي المسموم إلى العنف.
وقال تورك في الواقع، اعترفت شركة فيسبوك نفسها، في العام 2018، بأنها لم تقم بما يكفي بغية منع استخدام منصتها لإثارة الإنقسام والتحريض على العنف ضد الروهينغيا في ميانمار، وأقرّت أنّه بإمكانها بذل المزيد من الجهود في هذا الصدد وتحقيق ما هو أفضل من ذلك.
وأوضح تورك هناك الكثير من الأمثلة الأخرى المشابهة، فقد أظهرت الحملات الإنتخابية في جميع أنحاء العالم أن غياب الحوكمة القائمة على الحقوق عن بيئات وسائل التواصل الإجتماعى قد يؤدي إلى إضعاف التماسك الإجتماعي وتشويه عملية صنع القرار الديمقراطي، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، وخلال الحملات الإنتخابية من البرازيل إلى كينيا مروراً بمولدوفا ورومانيا، وردت تقارير عن تفشّي معلومات مضللة ومحتوى بغيض على منصات التواصل الإجتماعي.
مؤكدًا بأنه في مثل هذه الظروف، من الضروري للغاية أن تبذل الشركات العناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان، وأن تضمن الدول أن تظلّ مساحات النقاش على الإنترنت وخارجه، حرة ومفتوحة للجميع.
وأضاف تورك أن ضبط المحتوى ليس مهمّة يسيرة، وقد يثير أيضاً الكثير من الجدل، فقد دقّت مفوضيتنا ناقوس الخطر في حالات الإفراط في تطبيق ذلك، عندما استخدمت الدول مثلاً قوانين وسياسات صارمة لإسكات الأصوات المعارضة وحظر المواد غير المرغوب فيها في المجال العام، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وثّقت العديد من منظمات المجتمع المدني مؤخراً حظر مواد عن حقوق الفلسطينيين عبر منصات التواصل الإجتماعي.
وشدد تورك أنّ تنظيم خطاب الكراهية على الإنترنت بكلّ تأنٍ، بهدف تجنّب الأذية والضرر الحقيقي، لا يشكّل رقابة على الإطلاق، بل هو ركن أساسي من أركان نزاهة المعلومات في العصر الرقمي – وهو من مسؤولية منصات التواصل الإجتماعي.
وقال تورك لدى المجتمع الدولي إطار عمل يرشده في هذه القضايا، وهو القانون الدولي لحقوق الإنسان، فهذه المجموعة المتفق عليها من القواعد والمعايير تهدف بالتحديد إلى حماية كامل الحريات، للجميع، مع منع التحريض على الكراهية والعنف، وهي عالمية وديناميكية ويمكنها التكيّف مع القضايا الناشئة.
وأكد تورك، أن حقوق الإنسان غير قابلة للنقاش أو إعادة التعريف، لقد حصّلنا حريتنا في التعبير بشق الأنفس، عبر سنوات من الإحتجاجات ضد الرقابة والقمع، ويجب أن نبقى يقظين في حمايتها، وهذا يعني أن نتصدّى للتحريض على الكراهية والعنف بشكل مباشر عندما يُنتهك القانون، وأن نحمي حقّ الجميع في الوصول إلى المعلومات، كي يتمكّن الناس من البحث عن الأفكار والتماسها وتلقيها من مجموعة كاملة من المصادر المتنوعة، مشيرا بأن الدروس المستفادة من السنوات الأخيرة واضحة، وهي أنّ المنصات التي تغضّ الطرف عن العنف وتتجاهل التهديدات التي يواجهها الصحافيون والمدافعون عن حقوق الإنسان ستفشل حتماً وتقوض حرية التعبير.
متابعًا يجب أن تمنح حوكمةُ المحتوى بشكل فعّال الأولويةَ للشفافية والمساءلة وتوفير القدرة على الإعتراض على قرارات ضبط المحتوى، كما يجب أن تأخذ في الإعتبار السياق والفروق الدقيقة في اللغة المحلية، ومن يتحكم في المحتوى وتوزيعه، بإختصار، يجب أن تأخذ في الإعتبار بيئة المعلومات الأوسع نطاقاً.
وشدد تورك، لا يمكن أن تنبثق حوكمة المحتوى على الإنترنت إلا من مناقشات مفتوحة ومستمرة ومستنيرة يعقدها المجتمع، مؤكدًا ستواصل مفوضيّتنا الدعوة والعمل من أجل تحقيق المساءلة في الفضاء الرقمي، بما يتماشى مع قانون حقوق الإنسان، ويجب أن تبقى حقوق الإنسان البوصلة التي نسترشد بها لحماية الخطاب العام وبناء الثقة وصون كرامة الجميع.