مفتي الجمهورية : جمود الفكر الديني يمثِّل تحديًا كبيرًا يواجه الدعوة الإسلامية في العصر الحديث
أمير أبورفاعي
قال فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد، مفتي جمهورية مصر العربية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: “القرآن الكريم هو أعظم معجزة إلهية، خالدة بخلود الدهر ودالة على صدق النبوة”، مؤكدًا أن القرآن قد تميز عن باقي المعجزات الإلهية بأنه معجزة عقلية تناسب مستوى الإدراك البشري الذي بلغ أوجَه في عصر النبوة، مما يجعله صالحًا لكل زمان ومكان، ومنهجًا للحياة يحمل في طياته آيات بيِّنات تبقى دليلًا خالدًا على صدق الرسالة النبوية.
جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها في افتتاح المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية المطهرة، المنعقد في القاهرة بمركز مؤتمرات الأزهر الشريف، في الفترة من 26 إلى 27 أكتوبر 2024، والذي يشهد مشاركة علماء وباحثين من مختلف الدول، ويهدف إلى مناقشة قضايا الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنة بأسلوب علمي ومنهجي، وترأس المؤتمر الأستاذ الدكتور علي فؤاد مخيمر، رئيس ومؤسس جمعية الإعجاز العلمي المتجدد، وبحضور الدكتور عبد الله المصلح، الرئيس الشرفي للجمعية والأمين العام للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، والأستاذ الدكتور محمد صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر الشريف، ممثلًا عن الأستاذ الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور أيمن عمر، وكيل وزارة الأوقاف للدعوة، نائبًا عن الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف.
واستهلَّ فضيلة المفتي كلمته بتقديم الشكر للمنظِّمين والمشاركين، مشددًا على أهمية مثل هذه المؤتمرات العلمية في مواجهة التحديات الفكرية والعلمية المعاصرة، وتوجيه الأبحاث الدينية لتتناول قضايا الإعجاز العلمي وَفْق أسس منهجية.
وأشار فضيلته إلى أن “جمود الفكر الديني يمثل تحديًا رئيسيًّا يواجه الدعوة الإسلامية في العصر الحديث”، مبينًا أنَّ هذا الجمود أدى إلى انتشار الفكر المتطرف والإلحاد بين الشباب، وهو ما يدعو المؤسسات الدينية إلى تعزيز النقد الذاتي، وإعادة النظر في طرق وأدوات تقديم الفكر الديني. وأوضح أن الإسلام بطبيعته دين علم وحوار، ومن هنا تأتي ضرورة مواجهة جمود الفكر الديني، الذي لا يتناسب مع طبيعة الإسلام وحاجات المسلمين في الزمن الراهن. وقال فضيلة المفتي: “إن الجمود الفكري يقف حائلًا أمام فهم الشباب لمعاني الإسلام الصحيح، لذا فإننا بحاجة إلى إحياء روح الاجتهاد الفقهي وتطوير أساليب تقديم المعرفة الدينية بصورة عصرية تتناسب مع واقع الشباب وتحديات العصر”.
وفيما يخص قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسُّنة النبوية، أشار الدكتور نظير عيَّاد إلى أهمية هذه القضية في الوقت الراهن، خاصة مع تزايد الاكتشافات العلمية والكونية التي قد تتقاطع مع النصوص الدينية، مؤكدًا أن التعامل مع هذه المسائل يتطلب منهجًا علميًّا ورؤية متوازنة تفرق بين الحقائق العلمية الثابتة والفروض المتغيرة.
وأضاف فضيلته: “إن المبالغة في إخضاع النصوص الدينية للفروض العلمية، لا سيما الفروض المتغيرة، قد أوجدت تناقضات استغلها الملحدون والمتشككون للطعن في الدين والتشكيك في الرسالة الإسلامية، مما يحتم علينا أن نتعامل مع هذه المسائل بحكمة واعتدال”.
وأشار فضيلة مفتي الجمهورية إلى ضرورة التكامل بين الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية لمواجهة هذه القضايا، مشددًا على أن هذا التكامل يساعد في بناء رؤية متوازنة ومتكاملة عن الإعجاز العلمي، ويوفر إطارًا معرفيًّا ومنهجيًّا يمكن من خلاله التناول الرشيد لقضايا الإعجاز العلمي، بما يتوافق مع ثوابت الدين ويعزز من مصداقية النصوص الدينية أمام المتغيرات العلمية.
وأكد أن “التكامل بين الدراسات الإسلامية والإنسانية ضرورة للتعامل مع قضايا الإعجاز العلمي بشكل منهجي”.
واختتم فضيلة المفتي كلمته بتقديم عدد من التوصيات التي تهدف إلى توجيه الأبحاث الدينية والعلمية نحو معالجة قضايا الإعجاز العلمي بمنهجية علمية رصينة، حيث دعا إلى ضرورة تكوين الباحثين وتأهيلهم علميًّا ومنهجيًّا من أجل التعامل مع هذه القضايا، وإلى ضرورة التنسيق بين المؤسسات العلمية والدينية لتوفير البرامج التدريبية اللازمة التي تعزز من مهارات الباحثين وتساعدهم في تقديم دراسات وأبحاث تُسهم في خدمة قضايا الإعجاز العلمي.
كما أعرب فضيلة المفتي عن تطلعه للتعاون مع كافة المؤسسات العلمية في مصر وخارجها من أجل تصحيح المفاهيم المغلوطة حول قضايا الإعجاز العلمي، وتفعيل توصيات المؤتمر بما يسهم في تحقيق تأثير إيجابي ملموس يعزز من القيم الإيمانية ويرسخ من مكانة القرآن الكريم كمصدر للإلهام العلمي والديني، ويعيد ربط المجتمع بالقرآن كمنهج حياة شامل يعكس حكمة الله وعظمته.
وقال مفتي الجمهورية: “إننا في دار الإفتاء المصرية ندعم بكل قوة الجهود التي تسعى إلى توضيح الحقائق العلمية المرتبطة بالنصوص الشرعية، كما نؤكد على أهمية الدَّور الذي تقوم به المؤسسات العلمية والدينية في مواجهة الأفكار المغلوطة وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تروج حول قضايا الإعجاز العلمي”.