د إبتسام عمر تكتب .. التعليم والمواطنة الرقمية
د إبتسام عمر تكتب .. التعليم والمواطنة الرقمية
لقد انزوى الأطفال والمراهقين في أركان بيوتهم وثنايا حجراتهم يتفاعلون مع المحيط الخارجي (من الداخل)، فلم يصبح هذا الجيل مكترثا بالانفتاح على محيطه خارج بيته مادامت أخبار الخارج تصله وهو في الداخل، فلم تعد تستهويه التجمعات في الشوارع والساحات والأفكار المتداولة فيها مادامت كل تلك الأخبار والحوادث والأحاديث تأتيه سيلا متدفقا إلى المكان الذي ينزوي به في الحجرة أو البيت، فأصبحت بذلك المواطنة إلكترونية والشعور بحب الوطن رقمي والتعبير عن الولاء إلى المجموعة إعجابات وتعليقات والدفاع عن حمى الدولة ومصالح الوطن بالتنديد الإلكتروني والنشر عبر الفضاءات التفاعلية.
ولذلك تراجعت سلطة الأبوين في مقابل سلطة الإنترنت في تشكيل هوية ووعي الأبناء فأصبحوا يتعاملون مع مجهولين من خلال العالم الافتراضي Digital Virtual World ويتواصلون مع أشخاص رقمين من خلال مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي فهم لا يتجهون إلى الأبوين أو المعلمين بالتساؤلات المختلفة التي تشغلهم في مرحلة الطفولة المبكرة وإنما يتجهون إلى “الإنترنت” وهذا يشكل خطراً على ثقافتهم وأفكارهم ومعتقداتهم المستقبلية.
ولما كانت المدرسة بيئة اجتماعية, ووسطا ثقافيا له تقاليده وأهدافه وفلسفته وقوانينه التى وضعت لتتماشى مع ثقافة وأهداف فلسفة المجتمع الكبير, وهى القناه الرسمية لإعداد العناصر البشرية المهيأة لممارسة السلوك الديمقراطي والمشاركة الفعالة فى مجتمعاتنا وفقا للمبادئ والقيم الديمقراطية, فإنه ينبغى عليها المساهمة في تنمية مجتمع المعرفة وبناء الاقتصاد الرقمي الوطني عن طريق دمج التربية والمواطنة الرقمية في المنظومة التعليمية والاستعانة بخبرات بعض الدول فى هذا المجال؛ فنحن في أمس الحاجة إلى رؤية ثاقبة وخطط ناجحة وسياسة وقائية تحفيزية تساعدنا على وقاية أولادنا وخاصة مرحلة التعليم الأساسي حيث أنهم ليسوا في مأمن من الخطر التكنولوجي, والذي هو في متناول أيديهم وأيضاً توجيههم للاستفادة منه، عن طريق إرساء قواعد البحوث العلمية المدروسة.
وتقوم التربية المدرسية على نوعين من الثقة الأولى تعبر عن الثقة بمرونة الإنسان وقابليته للتغير, والثانية تعبر عن الثقة بإمكانية التحكم فى النشاط فى ضوء فهم قيم وغايات المجتمع وعلى هذا فإن تنظيم المدارس محاولة مقصودة من جانب الجماعات الإنسانية للتحكم فى تطورها, عن طريق تزويد الطلاب بقدر متنوع من الخبرات يستطيعون من خلاله أن يكتسبوا المرونة فى التفكير والسلوك والقدرة على مواجهة المواقف الجديدة المتغيرة أيا كان نوعها.
وتستطيع التربية المدرسية تنظيم جهد أفراد المجتمع المدرسي فى تمكين الطلاب من التربية الرقمية التى تقوم على تملك المنتسبين إلى عالمها التفكير النقدي عند متابعتهم أي مادة إعلامية وصولا إلى قدرتهم على قراءة المضمون بين السطور, من خلال التوجيه المخطط من قبل المعلمين والطلاب للاستخدام الفعلي للمصادر والتقنيات الرقمية, بهدف تنمية المهارات والسلوكيات التى تمكنهم من أن يصبحوا مواطنين رقميين، لديهم القدرة على التفاعل مع الأخرين.
وقد تضمنت الخطة الاستراتيجية 2014-2030 يجب على المدرسة توجيه جهودها نحو خريج يتقن المهارات اللغوية، والرياضيات، والعلوم، والاتصال، بما يؤسس لانتقاله ونجاحه في المرحلة التالية، وتنمية قدراته الابتكارية والإبداعية، والتواصل على مستوى عالمي، مع تأكيد ترسيخ قيم المواطنة، والهوية العربية والقيم الدينية، والتكامل مع الأخر وقبوله والتفاعل معه. وإتاحة فرصة تعليمية جيدة لجميع الطلاب المنقولين إلى حلقة التعليم الإعدادي، بتوفير بيئة تعليمية داعمة للتعلم، غير مرتفعة الكثافة، عادلة، تراعى البعد المجتمعي والبيئي والاقتصادي المتفاوت للمتعلمين وذلك كما يلي:
– توفير قوة تدريسية كافية، وعلى درجة عالية من المهنية لتقديم المناهج المطورة والأنشطة المدرسية بما يضمن التنمية الشاملة للتلميذ في المرحلة الإعدادية.
– التركيز على المدرسة لتصبح محور إصلاح، وتحسين حقيقي في تحصيل الطالب، ومستوى تعلمهم، والاحتفاظ بالطالب حتى نهاية الحلقة.
– الإرتقاء بمستوى تحصيل الطالب إلى مستوى الإتقان، وخاصة في اللغة العربية، والرياضيات، والعلوم والتكنولوجيا، وإجادة إحدى اللغات العالمية.
– تنمية قيادة مدرسية داعمة للتغيير، قادرة عليه، وموجهة لطاقات العاملين لتحقيق أهداف التعليم، قادرة على استغلال الموارد المتاحة وفق معايير حقيقية صارمة للاختيار.
وتجدر الإشارة إلي أن العديد من الدول مثل بريطانيا والولايات المتحدة وكندا تدرس لطلابها في المدارس موضوعات خاصة بالمواطنة الرقمية في إطار منهج التربية الرقمية كما نجد في نفس الإطار المشروع الذي وضعته أستراليا تحت شعار الاتصال بثقة تطوير مستقبل أستراليا الرقمي؛ والذي ينص على تعميم تدريس المواطنة الرقمية للطلاب وتدريب الآباء والمعلمين عليها وفق خطة وطنية متكاملة، كما تخطط فرنسا لجعل موضوع المواطنة الرقمية قضية وطنية كبرى
ولكي يصبح الطلاب مواطنين رقميين ينبغى للمؤسسات التعليمية أن تنمي عندهم مبادئ احترام الثقافات الأخرى والتنوع الثقافي، ویمكن تحقیق ذلك من خلال تضمین المواطنة الرقمیة ومبادئها بالمناهج والأنشطة الدراسیة، وتشجيع التنوع اللغوي وتعميمه مع وضع اللغة الأم في مقدمة الأولويات على جميع مستويات المراحل التعليمية،ومن التجارب الرائدة في ذلك تجربة ماليزيا: حيث وضعت وزارة التعليم عام 2004 م برنامجًا عن التعليم والمواطنة، وجعلته أحد المواد التعليمية التي تدرس بمؤسسات التعليم، وذلك بهدف زيادة وعي المتعلمين بحقوقهم ومسؤولياتهم كمواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والجنسية والدينية، والعمل معًا من أجل بناء دولة موحدة، وهذا المنهج يقوم على أربع دعائم أساسية هي : تعلم المعرفة، تعلم العمل، تعلم كيفية العيش معًا، تعلم كيفية إثبات الوجود، كما يركز هذا المنهج على تطوير وتنمية الشخصية والمجتمع ، وتنمية التراث الثقافي المتعدد