مقالات

وسام عبدالمجيد تكتب.. الأمن الاجتماعي في ضوء تجربة “محمد يونس “

 

وسام عبدالمجيد تكتب.. الأمن الاجتماعي في ضوء تجربة “محمد يونس “

هناك أكثر من 368 مليون شخص يعانون من الفقرً المدقع أغلبهم في أفريقيا وآسيا حاول العديد من القيادات والمؤسسات تقديم تجارب لمكافحة الفقر, لكن يظل الفقر خطر يفتك بحياة الملاين من البشر وربما من ماتوا بالفقر أكثر من ماتوا بالسلاح,أستخدم الفقر كسلاح ووسيلة للاستحواذ على موارد الدول ومقدراتها وإفقارها , بسبب الفقر سقطت أنظمة وضاعت دول في هوة الديون والغلاء والتضخم والإقراض ، و في إطار مكافحة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية وماذا إذا كان الفقر فرض أم إختيار سوف نتاول ذلك من خلال محورين :

المحور الأول : تجربة “بنك جرامين” ومحمد يونس

المحور الثاني: “بنك ناصر” وعبد العزيز حجازي

المحور الأول : ” بنك “جرامين” اسم تردد علي مسامع أهل الاقتصاد والمختصين بدراسة التنمية وتجربة بنجلاديش باتت نموذج للدول النامية .

بداية دعنا نتعرف على الدكتور محمد يونس هو ابن مدينة “شيتاغونج”، , والده “دولا ميا” مسلم مستنير يمتلك محل مجوهرات في نفس المنزل الصغير الذي تعيش فيه الأسرة ؛ألتحق محمد يونس بجامعة “دكا” ودرس الاقتصاد بالجامعة ؛حصل علي منحة من الولايات المتحدة وعاد من البعثة عام 1971 ليكمل رحلته مع جامعة “شيتاغونج” بدولة بنجلاديش عاد يونس مدرساً بالجامعة في ذات المدينة التي نشأ فيها ,رصد الواقع بتفاصيله القاسية وما تعانيه بلدته من أوضاع مأساوية وافتقادهم إلي أبسط سبل العيش وتردي الأحوال الصحية والتعليم,كانت بنجلادش بأكملها تعاني الفقر والجوع الذي حصد الآلاف من أبناء بنجلادش.

تأثر “محمد يونس ” وأخذ قرار بعدم العودة إلي الولايات المتحدة ,أسس مشروع التنمية الريفية بالجامعة وجعل ذلك بمثابة واجب عملي شريطة حصول طلابه علي الشهادة الأكاديمية.

وضع برنامج لمساعدة الفقراء من حيث التدريب والتعلم في قطاع الزراعة والصناعة, خاصة أن أغلب العمالة الزراعية لا يملكون شيئاً .بكل أسف رغم ما أحدثته لم تسد الفجوة الكبيرة من الفقر ولم تتدعم المشروعات الصغيرة في ظل غياب الضمانات والتمويل المادي .

كانت بنجلادش فى 1975 ثاني أفقر بلد في العالم, تعاني من كثافة سكانية ,دولة فقيرة مادياً وعلمياً تعتمد علي تحويلات العاملين بالخارج .

لم يستسلم محمد يونس وتواصل مع بنك “جاناتا” أحد أكبر البنوك الحكومية في بنجلاديش، لحل أزمة تمويل المشروعات الصغيرة بعد إتمام برامج التدريب .مع بداية طرح الفكرة رفض مديرو البنوك لمخالفة شروط الضمانات ، وبعد مفاوضات, عرض”يونس” أن يكون هو الضامن للقروض التي سوف تمنح للفقراء,استغرق الأمر 6 أشهر وبعدها قُدمت القروض وإشترط البنك أن يكون هو الوسيط والضامن, وذلك لخوفهم من التجربة .

اجتمع يونس مع الفقراء ليوضح لهم أن هذه القروض هي فرصتهم الوحيدة لتحسين مستواهم المعيشي وأن تخلفهم عن سداد القرض قد يعني فقدانهم فرصة النجاة من مستنقع الفقر.

بدأت ملامح نجاح التجربة تظهر على المجتمع اتسع نطاق الائتمان .. اعتمد “يونس” علي العديد من الدراسات التي درست سلوك المقترضين من النساء والرجال. تطورت الفكرة إلي إنشاء بنك جرامين بقرية جوبرا” jobra” .

نجحت الفكرة وتطورت إلي Bank Grameen “جرامين” تعني مصرف القرية هذا المصرف جعل الفقراء لهم حسابات ووضعت الإجراءات القانونية والمصرفية لتعامل مع هؤلاء البسطاء .

أهمها الآتي :

– أرسل مندوبين لتحصيل الأقساط و الإيداع لبساطة أصحاب الحسابات وتخوفهم من التعامل مع البنوك .

– أهتم البنك بتمويل المشروعات الصغيرة الموسمية والتي يعمل بها الطلاب والعمالة مؤقتة.

– جعل متوسط الفائدة لا يزيد عن 10% وتصل إلى 5%- 7% وأصدرت إجراءات للإعفاء تخص الطلاب و السيدات والصناعات الموسمية لمكافحة البطالة .

– اعتمد البنك إجراءات مخالفة تماماً لما هو متعارف عليه منها أن يكون من أفقر الأسر وليس لديه مورد عائلي ولا مادي آخر عكس الأجراءات التى تستخدمها البنوك .

آثار التجربة :

– دولة بنجلادش هي السابعة علي العالم في التعداد السكاني يقوق ال170 مليون نسمة .

– بحلول 1998 تم ادخار 100 مليون دولار .

– بلغ نصيب متوسط الفرد إلى 4200 دولار عام 2017.

– بدأت ثمار تتدريب القطاع الزراعي تظهر من خلال صادرات تجاوزت 2.3 مليار دولار لعام 2018.

– في 2016 وضعت بنجلاديش من الدول ال20 المتوقع تفوقها اقتصادياً.

– يعد اقتصاد بنجلاديش ثاني أسرع اقتصاديات العالم نمواً بواقع 7.1.

– كان الدين الخارجي 1975 مع بداية التجربة 6.11 مليار حتى وصل عام 2020 18.90 بالرغم من القروض الممنوحة من البنك الدولي

– 2004 تم إنشاء العديد من الوظائف الجديدة معظمها لنساء من خلال صناعة الملابس الجاهزة والتي بدأت 1994 ب 1.5 مليون وكان العائد 2002 اكثر من 25 مليون دولار .

فى 2019 وصل أنتاجها من تصدير الملابس 67. 36 .مليار دولار $ حتى وصل عدد العاملين في ذلك المجال حوالي 5 مليون عامل .

– تبنت بنجلاديش أحدث نظم التكنولوجيا الحديثة أدي ذلك إلي تغيرات اجتماعية، حيث أصبحت بنجلاديش بها عمالة مدربة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتعتبر ثاني أمهر عمالة في ذلك المجال بعد الهند .

– استطاعت البرامج التدريبية التي كان يمولها البنك أن تقدم إلي العالم واحدة من أمهر العمالة فى مجال صناعة السفن والصيانة والنقل والشحن .

– شهدت بنجلاديش أسرع زيادة في عدد الأثرياء بين عامي 2012 و2017، بحسب تقرير صادر عن شركة أبحاث «ويلث إكس»، التي توجد في نيويورك.

– من المتوقع أن يفوق الاقتصاد في بنجلادش الهند خلال الأعوام القادمة كما ارتفع متوسط دخل الفرد في بنجلادش إلي ( 3) أضعاف متوسط دخل الفرد في الهند .

– حصل محمد يونس” مؤسس بنك الفقراء على جائزة نوبل عام 2006.

صرح وزير المالية في بنجلاديش الدكتور “عبد المغيث” عندما سئل في لقاء صحفي , متي يتم القضاء على الفقر فعلياً؟ أجاب في عام 2030 حيث أشار أن الفقر سيتلاشى و سوف تصبح بنجلاديش مثالاً لقصة نجاح اقتصادي كبيرة.

– حققت بنجلاديش أكبر نمو بإجمالي الناتج المحلي خلال العام المالي 2017- 2018، ونسبته 7.86 %.

– 50 مليون شخص خرجوا من الفقر المدقع إلي الأمن الاجتماعي وهذا قمة نجاح التجربة لمكافحة الفقر .

– توقعت الاستخبارات الاقتصادية في لندن أن تشهد بنجلاديش نمواً حقيقياً سنوياً لإجمالي الناتج المحلي نسبته 7.7 % في عام 2018-2019 يعزز ذلك زيادة الاستهلاك الخاص والاستثمارات.

بنجلاديش مجتمع رأسمالي بإمتياز استطاعت الدولة أن تنشئ قاعدة صناعية حكومية ملك الدولة وتقدم برامج علمية لرفع كفاءة العامل من أجل تحقيق المنافسة المحلية والعالمية وحماية أبنائها من هيمنة الرأسمالية.قدمت تجربة ناجحة قادرة على المنافسة على الرغم من التحديات الموجهة من خلال الدول المحيطة .

 

 

المحور الثاني :

بنك ناصر: بدأت الفكرة كفرصة بديلة بعد توجيه كل موارد الدولة نحو الحرب والتي كانت السبب في توقف قطار التنمية في أوائل السبعينيات أخر فترة الرئيس عبد الناصر

الذي تولي منصب وزير المالية وبعدها نائب رئيس الوزراء ثم رئيساً للوزراء هو الاقتصادي الدكتور عبد العزيز حجازي دعنا نلقي الضوء علي الدكتور” حجازي ”

ولد “حجازي “في كفر عوض الله حجازي، مركز الزقازيق، محافظة الشرقية حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة عام 1944،حصل علي دكتوراه الفلسفة في التجارة من جامعة برمنجهام بإنجلترا,’عين عميداً لكلية التجارة – جامعة عين شمس عام 1968،

تولي “حجازي” منصبه فى أصعب فترة مرت بتاريخ مصر الاقتصادي فقدت الكثير من موارها المالية منها قناة السويس ,توقفت قاطرة التنمية الموجهة للمجتمع وأصبحت موجهه إلي المجهود الحربي .

تولي “حجازي” نائب رئيس الوزراء ووزير المالية والاقتصاد والتجارة الخارجية في 26 / 4 / 1974وهو رجل دولة واقتصادي بارز وواحد من أهم علامات الاقتصاد في تاريخ مصر وشغل منصب رئيس وزراء وكان استاذاً في جامعة القاهرة بكلية التجارة استخدم سياسيات مصرفية حاول أن يحقق العدالة الاجتماعية والتنموية بما يتناسب مع سياسات الحكومة ، تأثر “حجازي” بواقع مجتمعه وبالمذهب الأشتراكي . أصبح المواطن يعاني من ويلات الحرب ومن تراجع فى الأحوال المعيشية مما ترتب علي ذلك هجرة الآلآف من المصريين خارجياً وداخلياً .

اتخذت الدولة حزمة إجراءات للحفاظ علي الكيان الاجتماعي من خلال تقديم برامج الأسر المنتجة كما دعمت التوسعة في القطاع الصناعي “بقيادة وزير الصناعة العالم الدكتور عزيز صدقي مؤسس ال1000 مصنع الذي كرس كل الصناعة إلي التصدير والسوق المحلي لسد احتياج الموطن كما أحدث طفرة كبيرة في التعليم الفني والتجاري ,أهتمت الحكومة بتشييد بحيرات صناعية لسد فجوة الغذاء من الأسماك في فترة الحرب احتلال , ارتفعت الصادرات من السلع المعمرة و الخزف والصيني والمنسوجات والدواء قدمت الدولة برامج دعم الأسر الأكثر فقرا في الريف ً.

بدأت تجربة بنك ناصر فى نفس الفترة التي بدأ فيها “محمد يونس” وهي تجربة بنك قرية “جوبرا” وربما يكون تجربة بنك ناصر سابقة عن بنجلادش.

بنك ناصر هو بنك ممول من قبل الدولة بدأ في 1970 برأسمال قدره ۱.۲مليون جنيه حتى وصل إلى ۲ مليار جنيه بدأ بفرع واحد في القاهر حتى وصل الى ۹۳ فرع في جميع أنحاء الجمهورية , يقدم البنك خدمات مالية لمحدودي الدخل من أجل الحماية الاجتماعية ودعم الأسر البسيطة في مواجهة صدمات أسعار الصرف والغلاء وارتفاع الأسعار .

ظل بنك ناصر يقدم قروض ميسرة لكن لم تحقق التنمية المرجوه ,ولم تحد من الفقر في مصر . بل تجاوز الفقر ال 90 قرية أغلبها من قرى صعيد مصر وخاصة محافظة أسيوط وسوهاج التي وصل الفقر فيها أكثر من 80% ووصل عدد الفقراء أكثر من 330 ألف شخص بواقع نسبة تخطت ال33%.

لذلك من الضروري أن نطور من بنك ناصر ونتفهم ظلمة الفقر وما يحدثه من تداعيات خطره من حيث الجريمة وتفشي المرض والتراجع العلمي والتردى الصحي . وعلي الرغم ما تبذله الدولة من جهود كبيرة لكن علينا مراجعة آليات وتطبيق مفهوم التنمية بأساليب مواكبة مع واقع الفقراء لذلك أتقدم برفع شعار “مصر خالية من الفقراء ” من خلال إعادة رؤية بنك ناصر. ربما كان عبدالعزيز حجازي مشروع لحلم لم يتحقق في ظل سياسيةالانفتاح وغياب المنافسة وتراجع دور الدولة الاجتماعي والاعتماد علي الاستثمار .تركنا الفقراء في مصيدة الراسمالية , أن مصر التي تخطت ظروف الحرب والأرهاب وعبرت وهي تواجه مؤامرات سياسية واقتصادية وقدمت الآن نموذجاً في إعادة هيكلة قطاعات الدولة ومشروعات البنية التحتية تستطيع أن تحدث من رؤيتها وتتخطي التحديات الداخلية أو الخارجية وترسم لنفسها طريق تنموي يتناسب مع مكانتها وآمالها .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى